عن القصص واللعبة
التميمة الرئيسية لأغلب قصص لوفكرافت هي عن مخلوقات جبارة سكنوا بين البشر من قديم الأزل و استغلوهم بقوة مجهولة لا يستطيع العقل البشري استيعابها، و يخططوا لانقراض الجنس البشري و يقع مسؤولية محاربتهم على انسان منحوس. في لعبة بلود بورن، كل ما تقدم اللاعب أكثر يشعر أن الغموض بدأ ينكشف من حوله ثم و بلا مقدمات ينتهي به المطاف في نقطة معينة يشعر معها أنه أضاع الهدف الرئيسي و أن هناك شعور بالضعف و الصغر أمام قوة خفية تتلاعب به. أي أن هناك مؤامرة تُحاك من وراء اللاعب بينما هو يسير لها كأي بطل إغريقي يسعى نحو هلاكه.
في قصص لوفكرافت، هناك دائماً الناس البسطاء الذين يؤمنون بالخرافات و لهم طقوس لتقديم قرابين لمخلوقات عظيمة ذات قوة جبارة و ذلك لكسب مرضاتهم. في بلودبورن، نعرف أن سكان المدينة كان لهم طقوس تقرُب لمخلوقات جبارة كانت يوماً ما السبب في شفاء الأمراض المنتشرة.
مرة أخرى، في قصص لوفكرافت، هناك غالباً ذلك التعس الذي يحيط بالكثير من العلم، مما يسبب له قلق و خوف دائم يجعله كالبوق ينشر بين الناس كلام عن الحذر و أن النهاية اقتربت، و كل هذا بسبب علمه الزائد بما حوله، و أشهر مثال على هذا في قصص لوفكرافت هو الشاعر العربي عبدالله الحظرد الذي عرف الكثير من الأمور المخفية حتى أصبح مجنون. في بلودبورن هناك ما يسمى بـ Insight و يعتبر بمثابة مقياس للقوة العقلية لدى اللاعب، حيث في حال ازدياد عدد الـ Insight يصبح اللاعب قادر على رؤية أمور مرعبة أكثر لا يجب أن يعرفها و هذا في إطار قصة اللعبة طبعاً.
“في قصص لوفكرافت يعلم البطل الاشياء المحرمة على البشر و ذلك عن طريق المخطوطات و الكتب القديمة. في بلودبورن أردنا أن نحاكي وزنية هذا الشيء و عليه قررنا أن اللاعب كلما تقاتل مع زعيم مرحلة أو اكتشف أماكن جديدة أو بمجرد سماعه لحديث عابر لا يجب له سماعه من شخصيات القصة يتم “مكافأته” بـInsight ” والحديث هنا لميازاكي.
حتى تسمية الميزان أو الـ Item كان لها دلالة واضحة على مسمى عبدالله الحظرد في الأدب الشعبي ألا وهو الرجل المجنون أو ما سُمي باللعبة بـ Madman Knowledge.
الجدير بالذكر أن ميزان الصحة العقلية تم استخدامه مسبقاً في لعبة نينتندو الرائعة Eternal Darkness و التي هي ايضاً مقتبسة بعض الشيء من قصص لوفكرافت و العظيم إدجار الآن بو.
في قصص لوفكرافت، الكيانات القديمة لا يتحدثون بأي لغة مفهومة، هم فقط يتحدثون بكلمات لا معنى لها لمن يختاروه و كلامهم يجد مرادفات و تراجم يفهمها العقل البشري المختار، و منها يعرف كيف يتقي شر الكيانات القديمة. في بلودبورن هناك حروف كاريل أو Caryll Runes ذات الرموز المبهمة و التي هي أدوات يطور اللاعب بها قدراته ليعرف كيف يتعامل مع وحوش اللعبة.
أي نعم لعبة بلودبورن يابانية، و لكنها حملت معها إرث أمريكي – أوروبي، و أي نعم لوفكرافت أخذ نصيب الأسد و لكن هناك إرث أوروبي يكمن في الاقتباس من قصص مصاصي الدماء و على رأسهم قصة دراكولا للأسكتلندي برام ستوكر. حتى تصميم الصياد مقتبس بعض الشيء من شخصية فان هيلسينج Van Helsing العدو الرئيسي لدراكولا و الذي أصبح رمز أدبي بحد ذاته. أيضاً الاقتباس الواضح لقصص الرجل الذئب من الفلكلور الأوروبي الشعبي، حكايات جاك السفاح إبان العصر الفيكتوري، قصة ماري شيلي رائعة فرانكشتاين وقصص الادب القوطي الرومانية.
وانسدل الستار
انتهت بلودبورن و أثبتت نجاحها المستحق، و أنها أعلى من مجرد لعبة فيديو و إنما عمل فني أدبي جدير بأن يضيف مادة دسمة لعوالم قصص الرعب و شخصياتهم. و إذا تكلمنا عنها كلعبة فيديو فنستطيع القول بجدارة أنها امتلكت أسلوب لعب متقن، طريقة قتال جميلة تتميز بمهارات، توجه فني رائع و ملائم للعبة سواءً في الشخصيات أو عوالم اللعبة، قصة قد لا تكون عميقة و واضحة للجميع ولكنها جديرة بأن نقول عنها جميلة، و من الصعب أن ننساها بسهولة. .و نجحت بامتياز بالانسلاخ من جلد ألعاب المطور السابقة (Demon’s souls, Dark souls) و أسست لنفسها هوية جديدة و بصمة واضحة في تاريخ ألعاب الفيديو. أخيراً و ليس آخراً تميمة الرعب اللوفكرافتي للعبة و الذي أعطاها مسحة مميزة قل ما تجدها في أي منتج ترفيهي بصرف النظر عن نوعه.
في لعبة God of War كان هناك جودة عالية في الاقتباس من أساطير الإغريق و تحويلها لمنتج ترفيهي ممتاز جداً. ما فعله فريق التطوير From Software بأنه تعدى و بامتياز مرحلة ما فعله مصممي لعبة GoW و وصل مراحل متقدمة في الإتقان في الاقتباس من قصص لوفكرافت بكل ما تحويه من ثراء أدبي ومن ثمَ تجسيدها كمنتج ترفيهي تفاعلي يجعلك تسبر أغوار هذا العبقري بمنظور جديد كلياً، أضف لهذا طريقة لعب متقنة و “إدمانية” و النتيجة جعلت من بلودبورن أحد التحف التي يتباهى بها محبي ألعاب الفيديو.