تعود حكاية القرصنة على أجهزة الحاسب الشخصي إلى زمن طويل جداً. في التسعينات لم يكن هناك الكثير من طرق الحماية للألعاب وأحياناً كان يكفي نسخُ الأقراص مباشرةً عن القرص الأصلي حتى تتمكن من لعب اللعبة كاملة كما هي. إن أول لعبة أتذكرها على صعيد شخصي احتاجت “كراك” حتى تعمل نسختها المقرصنة كانت هي لعبة فيفا 2000 من شركة إلكترونيك آرتس، ومع الوقت أصبحت جميعُ الألعاب تتطلب الكراك لفك الحماية عنها بالنسبة للألعاب المقرصنة، وأحدُ أكثر الألعاب التي تسببت بمتاعب للهاكرز أو المُخترقين كانت لعبة يوبي سوفت Tom Clancy’s Splinter Cell: Chaos Theory التي ظلّت لفترة طويلة بلا كراك وبدون أي طريقة للقرصنة.
مع مضيّ السنوات أصبح الوقوف في وجه القراصنة عبثاً، أو هذا ما يبدو حتى ظهر فجأة نظام حماية جديد يُعرف باسم Denuvo، وخلق مصاعب جمّة للمُخترقين وحتى أنه كاد يتسبب لهم باليأس من اختراق حماية الألعاب بالكامل! فكيف حصل ذلك؟ وما هو نظام دينوفو ومن صنعه؟
إن نظام دينوفو هو نظامٌ أمنيّ خاص بحماية الDRM (أي Digital Rights Media) لألعاب الحاسب الشخصي فهو يعمل بالتوافق معها وليس بديلاً عنها، وقد توصلت إلى صناعته شركة Denuvo Software Solutions GmbH النمساوية. ما لا يعرفه كثيرون أن المُبرمجين الذين قاموا بابتكار هذا النظام، هم بالأصل مُخترقون “هاكرز” سابقون بأنفسهم! وهذا يعني أنهم مُلمّون جيداً بالأدوات والطُرق التي يتم استعمالها من أجل كسر حماية ألعاب الفيديو وقرصنتها، واليوم فإن نظام دينوفو للحماية الإلكترونية قد أصبح يُشكّل صُداعاً حقيقياً في رؤوس المُخترقين ويهددهم باعتزال مهنتهم بالكامل، كما ذكرت من قبل المجموعة الصينية الشهيرة 3DM، والتي تنبأت بإمكانية نهاية عصر القرصنة لألعاب الحاسب الشخصي خلال فترة لا تزيد عن السنتين مع زيادة انتشار نظام الدينوفو!
كيف يعمل نظام دينوفو؟ من غير المعروف تماماً كيف يعمل هذا النظام حتى الآن، خاصة مع رفض الشركة المطوّرة له تقديم أية إيضاحات، كان هناك اقتراحات مبدئية تُشير إلى أنه يعمل عن طريق القيام بعملية تشفير وفك تشفيرٍ مستمرة للبيانات بشكل متواصل، مما يجعل عملية الاختراق أقرب إلى الاستحالة، إلا أن الشركة المطورة نفت هذا الأمر، وقالت بأنه لا يعود بالمنفعة على الحماية الإلكترونية ولا أداء الألعاب.
إن عملية اختراق حماية الألعاب هي نوع من أنواع هندسة البرمجيات العكسية، من الناحية العلمية، أو الReverse Engineering. إن البرمجيات بصورة عامة -أياً كان نوعها- لا تخرجُ عن صنفين، النوع الاعتيادي من الأكواد التي يكتبها المبرمجون ويقرؤها البشر بصورة طبيعية، والأكواد المخصصة للآلة (التي تُعرف بالAssembly Code). الهندسة العكسية عادةً تُشيرُ إلى العلم الخاص بعملية قراءة وتحليل أكواد الآلة، والتعديل عليها يؤدي إلى جعل البرنامج يتصرف بصورة مختلفة عما يُفترض به أن يكون، وهكذا تتم عملية قرصنة الألعاب.
بشكل عام، من الصعب جداً أن تحمي برمجيات لا تتوافر على حماية من نفس الهاردوير مثل ألعاب الحاسب الشخصي، إلا أن نظام دينوفو يصنع عُقدة للهاكرز حتى الآن، فلعبة Dragon Age Inquisition لم تحصل على كراك إلا بعد أكثر من شهر كامل على إصدارها، والحقائق تقول أن معظم المبيعات الرئيسية لإصدارات الألعاب الكبيرة تتركز في أول ثلاثين يوم لها في الأسواق، ولذلك فيكفي لنظام دينوفو أن يوفر حمايةً لهذه الألعاب خلال فترة زمنية محددة حتى يكون ناجحاً.
فريقُ 3DM الصيني أعلن مؤخراً رغبته في ترك كسر حماية الألعاب لعام كامل من أجل دراسة تأثير اختراق الألعاب على المبيعات، إلا أنني أعتقد بأن الفريق ينوي تركيز كامل جهوده من أجل محاربة نظام دينوفو الأمني، خاصة مع تزايد عدد الألعاب التي باتت تستعمله، والتي ستتزايد أكثر وأكثر في المستقبل القريبِ بدون ذرّة شك. إن الألعاب التي تستعمل نظام الدينوفو حتى الآن هي:
Fifa 15
Lords of the Fallen
Dragon Age Inquisition
Batllefield Hardlines
Batman Arkham Knight
Metal Gear Solid V The Phantom Pain
Mad Max
Fifa 16
Star Wars Battlefront
Just Cause 3
Rise of the Tomb Raider
Far Cry Primal
كما ترون، ليست القائمة بالصغيرة على الإطلاق. إن الحَرب بين نظام دينوفو و مُبتكريه، وبين القراصنة الإلكترونيين ستكون مُستعرة هذا العام، وهي بلا شك أقوى حرب إلكترونية تتعلق بحماية الألعاب وقرصنتها مما عاصرتُه طوال مسيرتي كلاعبٍ على منصة الحاسب الشخصي. من المؤكد أننا أمام منعطفٍ تاريخي فيما يتعلّق بحماية ألعاب الفيديو من القرصنة.
فمن الذي سينتصر ويُطلق الضحكة الأخيرة المتشفية يا ترى؟