الجانبُ المظلم من ثقافة ألعاب الأجهزة الذكية في اليابان، هذا هو العنوان الذي قُمنا باختياره لمقالنا هذا، والذي سيغوص معكم في أعماق الألعاب الذكية التي ضربت اليابان في السنوات الأخيرة، بأقوى مما ضربتها الزلازل المدمرة، والتي أصبحت هوساً هناك للصغير والكبير على حد سواء، وبالذات، الألعاب المجانية التي تحتوي على مشتريات-داخل-التطبيق. قد يخطر ببالكم أن طريقة تصميم هذه الألعاب لا تختلفُ عن نظيرتها الغربية، ولكن الحقيقة أن الأمر ليس بهذه البساطة، فهناك عناصر ضليعة في الثقافة اليابانية تُضفي رونقها الخاص على هذه الألعاب، وتسحر اللاعبين اليابانيين لتجعلهم يدمنونها، وينفقون كماً هائلاً من الأموال عليها، هذه الألعاب، مثل لعبة Fire Emblem Heroes الصادرة مؤخراً من ننتندو، تُعرف في اليابان باسم “Gacha” أو ألعاب الغاتشا التي تسير على خط رفيع من الأخلاق والقانون، وعليها سيستند محور حديثنا في هذا التقرير.
في البداية وحتى تفهم سر الشعبية الجارفة للألعاب المجانية في اليابان، وسر معدل الإنفاق الكبير من الأموال عليها، لا بد لك أن تفهم جيداً ميكانيكية “الغاتشا” ومن أين أتت، وما هو مصدرها، وكيف يتم استخدامها في الألعاب اليابانية المجانية التي باتت تحظى بشعبية كبيرة حتى على صعيدٍ عالمي، وهي قادمة من ألعاب الgashapon. حسناً، ما الذي يعنيه هذا المصطلح بالتحديد؟
في اليابان، ألعاب الgashapon أو الغاتشا اختصاراً، هي اسم يُطلق على كبسولات يُمكن الحصول عليها عن طريق ماكينات للعب، في هذه الماكينة يقوم الشخص بدفع مقدار معين من النقود (عادة دولار أو 100 ين) للحصول على كبسولة بلاستيكية، وفي هذه الكبسولة سيكون هناك لعبة صغيرة. هذه الألعاب تحتوي على الكثير من الشخصيات المحبوبة من الثقافة اليابانية، والقادمة من الأنمي، والمانجا، وألعاب الفيديو، وما إلى ذلك. أنت تُنفق الأموال لتحصل على الكبسولة التي تُريدها، وبعضُ هذه الكبسولات نادر للغاية، ويُعتبر خاصاُ بالمجمعين، ويُباع بمبالغ كبيرة للغاية! بالطبع ليست هذه الطريقة هي الوحيدة لشراء الgashapon، فبالإمكان أيضاً شراؤها على هيئة مجموعة من الكبسولات بسعر مخفض.
هذه الألعاب تُثير الروح المُحبة للمقامرة لدى اليابانيين، حيث تخلق لدى الشخص الرغبة في إنفاق المزيد من المال للحصول على الكبسولة التي يُريدها. الألعاب المجانية للأجهزة الذكية قامت باستنساخ نموذج الغاتشا، لتُصبح صنفاً معشوقاً من الألعاب لدى اليابانيين. هناك جانب التكلفة الأقل في التطوير، وإمكانية تحقيق الأرباح العالية، مقارنة بنموذج الألعاب المدفوعة، لكن ميكانيكية “الغاتشا” تكاد تكون المحرك الرئيس خلف الأموال العملاقة التي يتم إنفاقها على هذه الألعاب، فهي تستغل بعض الأنواع من شخصيات البشر، والتي تكون قابلة للإدمان، لينفقوا باستمرار أموالاً للحصول على أداة معينة أو شخصية معينة. هذا النوع من حُب المقامرة، أو روح التحدي والمقامرة الموجودة لدى الناس، تُعرف في اليابان باسم shako-shin. الفرق الجوهري بين ألعاب الغاتشا والألعاب المجانية الغربية، أنك في الألعاب الغربية تعرف ما ستشتريه، بينما في الألعاب اليابانية فأنت لا تعرف ما ستحصل عليه من الغاتشا! ومن هنا تأتي إثارة روح المقامرة shako-shin.
بالطبع، هذه الميكانيكية مثيرة للجدل على صعيد أخلاقي، وحتى من ناحية قانونية. لنشرح لكم ذلك سنعرفكم أولاً على لعبة Gacha يابانية باسم YomeColle حظيت بشعبية كبيرة في فترة من الفترات. YomeColle هي لعبة Otoge ولعبة بطاقات معاً. في هذه اللعبة هدفكم الأساسي هو الحصول على مجموعة من البطاقات، كل بطاقة مخصصة لشخصية معينة من الشخصيات المعروفة في عالم الأنمي وتمتلك رسمة فنية ومشهداً فنياً خاصاً بها، وعند لمس هذه البطاقة ستظهر لكم مجموعة من الخيارات التي يُمكنكم فعلها بالبطاقة، أحدها هو الاستماع إلى أصوات تمت تأديتها وتسجيلها من طرف مؤديي الأصوات (السيو) الأصليين لهذه الشخصيات خصيصاً من أجل YomeColle. كلما استمريتم في اللعب كلما تمكنتم من فتح المزيد من السطور والاستماع إلى العبارات الخاصة بها. بالطبع، هدفكم الأساسي، والأصعب، هو تجميع المزيد من البطاقات. من هنا تأتي ميكانيكية الغاتشا.
اللعبة تستنسخ نموذج “الغاتشا” الفيزيائي في مُنتج رقمي، حيث تقومون بتحريك أداة معينة بأصابعكم على الشاشة ومن ثم تقومون بعملية “السحب”. كل عملية سحب ستحصلون من خلالها على مكافأة، إلا أن بعض هذه المكافآت عديمة القيمة. على أية حال، اللعبة كانت تشجع اللاعبين على الولوج إلى التطبيق بصورة يومية، والحصول على ما يكفي من الأموال لتجربة “الغاتشا” بضعة مرات، على أمل الحصول على بطاقة جديدة، وإن أردتم فعلاً فتح جميع البطاقات، فإنكم على الأرجح سترغبون عاجلاً أم آجلاً بإنفاق المال الحقيقي على التطبيق، وذلك لزيادة حظوظكم في الحصول على بطاقة جديدة.
حسناً، الأمرُ لم يكن كذلك في بادىء الأمر، إذ كان عليكم في البداية تجميع عدة جزيئات مختلفة قبل فتح البطاقة الكاملة. هذا النوع من اللعب كان يُطلق عليه اسم Kompu Gacha، وفي عام 2012 قررت الحكومة اليابانية أن ممارسة الKompu Gacha من صانعي الألعاب الاجتماعية في اليابان هو أمر غير قانوني، وقامت بحظره تماماً، حيث تم منع فكرة أو ميكانيكية الفوز بعدة جوائز صغيرة للفوز بجائزة كبيرة بعد ذلك. الأمر مثير للجدل بالفعل، وبذلك فقد تخلصت لعبة YomeColle من نموذج الKompu Gacha لتصبح لعبة غاتشا، حيث يُمكن الفوز ببطاقة وبطريقة عشوائية عن طريق عملية السحب، دون الاضطرار إلى الفوز ببضعة جزيئات صغيرة أولاً.
ربما لهذا السبب رفضت شركة ننتندو اليابانية مع رئيسها المتوفي “ساتورو أيواتا” مراراً وتكراراً اللجوء إلى هذا النموذج، حيث أن ميكانيكية الغاتشا هي الأساس في نجاح الألعاب الذكية في اليابان، وهو نموذج قد يضر بصورة شركة ننتندو العائلية من خلال قيام الأطفال أو المراهقين بإنفاق مبالغ كبيرة من أموال ذويهم على ألعاب مصممة لتجلب أكبر قدر ممكن من النقود. لاحقاً رضخت شركة ننتندو للأمر الواقع وقامت بإطلاق لعبة Fire Emblem Heroes التي تشاهدونها في هذه الصورة، وفي هذه اللعبة ستتمكنون من تكوين جيش واستدعاء أبطال فاير امبلم السابقين عن طريق Orb أو كريستالة، التي هي بديلة كبسولة الGashapon.
في فاير امبلم هيروز، بإمكانكم الفوز بالكريستالة عن طريق الفوز في معركة، واستدعاءُ بطلٍ واحد يتطلب استعمال 5 كريستالات. هنا الفكرة: أنتم لا تعلمون ما هي الشخصية التي ستحصلون عليها، والبعض سيبقى يلعب ويُنفق المال باستمرار حتى يتمكن من استدعاء شخصيته المفضلة في هذه السلسلة الكلاسيكية، والتي تمتلك العشرات من الشخصيات المحبوبة من المعجبين. بالطبع، يُمكنكم إنفاق المال الحقيقي من أجل شراء الكريستالات. يُمكنكم شراء 3 كريستالات مقابل دولارين، أو إنفاق المزيد من المال للحصول على صفقة أفضل؛ 6 دولارات و 10 كريستالات، وتستمر الصفقات مع إمكانية إنفاق 75 دولار من أجل شراء 140 كريستالة!
ننتندو فتحت صندوق باندورا
هذا ما قاله المحلل الشهير Serkan Toto، مؤسس شركة Kantan Games Inc. الاستشارية، والتي يقع مقرها في العاصمة اليابانية طوكيو. الغاتشا هي عماد الفنون المظلمة التي يستعملها مطورو الألعاب اليابانية ليجعلوا بلادهم السوق الأكبر والأقوى كمعدل إنفاق للمُستخدم الواحد على التطبيقات أو الألعاب الذكية. Serkan Toto أعرب عن دهشته بلجوء ننتندو إلى ميكانيكية الغاتشا في تطبيق Fire Emblem Heroes، وهو يعتقد بأن هذه رسالة من ننتندو بكونها ستلجأ إلى كافة الطرق لتحقيق الأرباح من سوق التطبيقات الذكية. ربما نستطيع أن نتفهم الآن لماذا ترفض شركة ننتندو أن تلجأ إلى هذا النموذج بلعبة Super Mario Run، وتفوت على نفسها الكثير من الأموال، فالشركة لا زالت غير مستعدة لربط أيقونتها وشخصيتها الأشهر بنموذج مثير للجدل مثل الغاتشا، الأمر الذي قد يضرّ صورتها. تاتسومي كيميشيما رئيس ننتندو الحالي، قد أكد في فترة سابقة بأن شركته لا زالت تفضل نموذج البيع المدفوع، وأن تطبيق فاير امبلم هيروز هو الاستثناء وليس القاعدة. بالإضافة إلى ذلك، فقد سبق لكيميشيما التأكيد لوكالة Bloomberg العالمية، بأن Super Mario Run لا تستعمل هذا النموذج حتى يشعر الأهالي بالاطمئنان من لعب أولادهم للعبة، التي لا تتيح لهم إنفاق كمية هائلة من الأموال.