اللاعبون الذين يقومون بإنفاق قدر كبير من الأموال يُطلق عليهم “الحيتان”، وهم مصدر الدخل الأساسي لألعاب الغاتشا أو الألعاب المجانية على وجه العموم. الدراسات قد أكدت كمعدل، أن 10% من اللاعبين اليابانيين لتطبيقٍ ما، يصنعون أكثر من 90% من العائدات الكلية لهذا التطبيق، ولعل الأمر الجوهري في استمرارية هذه الألعاب، هو نجاحها في خلق الإحساس “بالفرصة العادلة” ليشعُر اللاعبون أنهم قادرون حقاً على الوصول إلى الجائزة التي يُريدون الحصول عليها، وبينما تتفاوت طريقة التطبيق، تبقى الفكرة الأساسية متمثلة في “السحب” على جائزة عن طريق إنفاق المال، وضغط زرٍ ما للحصول على هذه الجائزة. ألعاب غاتشا أخرى صدرت في الأسواق الغربية، تتمثل بلعبة مثل Granblue Fantasy، أو لعبة Love Live: School Idol Festival.

Love Live School Idol Festival

جميع أو معظم ألعاب الغاتشا اليابانية تمتلك بعض السمات المشتركة. في البداية، فإن بمقدوركم السحب على الجائزة بالطريقة الاعتيادية مقابل قدر غير كبير من الأموال، أو بإمكانكم إنفاق قدر كبير من عملة اللعبة للسحب باحتمالية كبيرة للفوز بجائزة نادرة. إنها حيلة نفسية تُستعمل في تسويق المنتجات في كل مكان، إن ذهبتم إلى أي سوبرماركت حولكم فستجدون أن بمقدوركم شراء بعض البضائع على انفراد، أو شراء مجموعة من هذه البضائع مقابل خصم مالي أو الحصول على قدر إضافي منها مجاناً، مما يعني أنكم ستوفرون المال رغم إنفاقكم قدراً أكبر منه، أو على الأقل هذا ما يُفترض به أن يكون.

أيضاً، هذه الألعاب قد تمتلكُ جوائزاً تحفيزية. على سبيل المثال، إن قمتم باستعمال 50 loveca في لعبة Love Live، أو إنفاق مبلغ كبير عن طريق شراء حُزم الloveca، فستتمكنون من السحب 11 مرة عوضاً عن عشر مرات، وفي السحبة الأخيرة ستضمنون الحصول على بطاقة نادرة:

نسب ندرة البطاقات في اللعبة
نسب ندرة البطاقات في اللعبة

بالإضافة إلى ذلك، فهذه الألعاب ستمنحكم فرصة السحب بالغاتشا باستمرار دون إنفاق المال. في Love Live ستحصلون على loveca مجانية كل بضعة أيام. هناك مكافآت لمجرد الولوج إلى التطبيق، أو مكافآت خاصة بأحداث متفرقة تحصل باستمرار (events)، واللاعب النشط بإمكانه الحصول على فرصة الدخول للسحب الخاص مرة كل شهر. الفكرة هي بأن هذا الكرم لا يأتي بلا فائدة، فلا زال هناك احتمال بألا تحصل على ما تريده، وعند قضاء الكثير من الوقت مع التطبيق، فقد تزداد رغبتك بإنفاق المال الحقيقي عليه. بخلاف ذلك، فإن بعض الجوائز الخاصة بالغاتشا في هذه الألعاب، لا تظهر سوى في فترات زمنية محددة، مما يجعل العشاق المخلصين يقومون بإنفاق قدر كبير من الأموال للحصول على هذه الجوائز.

حسناً، كيف تُحقق ألعاب الغاتشا هذه النجاحات في اليابان؟

هناك عدة عوامل يُمكننا أن نضعها تحت المجهر. في البداية، فإن العديد من هذه الألعاب مبنية على أسماء شهيرة في اليابان تمتلك الكثير من العشاق المخلصين. ليس من الغريب أن يقوم أحد عشاق سلسلة فاينل فانتسي، بإدمان لعبة مثل Final Fantasy Record Keeper، أو أن يُدمن عشاق فاير امبلم على لعبة Fire Emblem Heroes، حيث تجمع هذه الألعاب في العادة تاريخاً طويلاً لهذه السلاسل، وتلعب كثيراً على وتر النوستالجيا (أو الذكريات) للاعبين مع هذه السلاسل والأسماء المعروفة.

عامل آخر هو الشعبية التي يتحلى بها بعض مؤديي الأصوات، والذي أدى إلى نجاح تطبيق مثل YomeColle، أو حتى Granblue Fantasy، أو حتى الطراز الفني والرسومي لهذه الألعاب، والتي تحتوي شخصيات من أصناف وأنواع معروفة ومحبوبة لعشاق الأنمي الياباني. بالطبع، هناك أيضاً عامل اللعب أو الGamePlay، حيث لا تتطلب ألعاب الآربيجي اليابانية تحكماً معقداً بفضل أنظمة تعاقب الأدوار بها، وكذلك الألعاب الموسيقية، وبعض هذه الألعاب تنجح في خلق تجارب إدمانية للمستخدمين.

الأهم من كل ذلك هو نموذج أو فكرة الألعاب كخدمة، وأن الألعاب تستمر في التطور ويستمر المحتوى في الازياد مع مرور الوقت. لم يعد من الكافي في هذا العصر إصدار الألعاب وتركها بين أيادي اللاعبين مع انتظار الأموال، بل أصبح على المطورين البحث وباستمرار عن طرق تجعل اللاعبين يقضون المزيد من الوقت على الألعاب، وتوفير المحتويات الإضافية باستمرار. في حالة الألعاب المشهورة، فهي تستطيع الاستمرار بتقديم المحتويات لفترة طويلة بناءً على ما تم تقديمه في السلاسل الأصلية لها، في لعبة مثل فاير امبلم هيروز على سبيل المثال، هناك قدر لا نهائي من هذه السلسلة الطويلة يمكن تقديمه للاعب من السيناريوهات والمعارك المختلفة.

الأوبا المعدنية في أنمي شتاينز:جيت هي مثال على كبسولة الغاشابون النادرة
الأوبا المعدنية في أنمي شتاينز:جيت هي مثال على كبسولة الغاشابون النادرة

في النهاية نعود إلى الحديث عن التوازن وأهميته في هذه الألعاب، حيث يعمل على جميع هذه الألعاب في المعتاد خبراء في الاقتصاد، وذلك حتى لا يشعر اللاعب بالغش أو الخداع والاستغلال، وتحاول الألعاب أن توفر تجربة ممتعة عوضاً عن النظر إلى اللاعب بأنه من “الحيتان” التي ينبغي استغلالها. قد قلنا بأن الميكانيكية مثيرة للجدل، وهي بلا شك تتأرجح على خيط رفيع من ناحية أخلاقية، ولا شك بأنها تستغل ضعف فئة معينة من الجماهير في التحكم برغباتها وكبت نزواتها، لتحلب من جيوبهم قدراً كبيراً من الأموال، إن الغاتشا بالتأكيد شبيهة كثيراً بالمقامرة.

مع زيادة شيوع ألعاب الغاتشا، نُلاحظ أن مفهومها بدأ يصل حتى إلى الألعاب الغربية، وحتى في ألعاب الناشرين الكبار، إلا أن اليابان لا زالت البلد الرئيس للغاتشا، وهناك يتم تحقيق أغلب العائدات. من خلال تقريرنا هذا، نرجو أن نكون قد أطلعناكم بشكل كاف على هذا الجانب المُظلم والمثير للجدل من سوق ألعاب الأجهزة الذكية في اليابان، وأن نكون قد أطلعنا القارىء العربي على هذا المفهوم الغريب والمميز من البلاد التي تتنفس عشق ألعاب الفيديو، والتي تستمر في الخروج بنماذج ومفاهيم مختلفة لطرق صنع هذه الألعاب.

شارك هذا المقال