صدرت أسطورة زيلدا Ocarina of Time على جهاز ننتندو 64 قبل نحو 15 عاماً، وبالتحديد في عام ألف وتسعمئة وثمانية وتسعين، وكانت لعبة سابقةً لعصرها بطريقة التصميم المدهشة، والمعابد الضخمة ذات الألغاز التي تُفكك العقول، لكن هذا ليس فقط ما ألهب خيالنا في أوكارينا الزمان، فاللعبة كانت مليئة بالترميز والمعاني، وقد سبق لأحد مُخرجي اللعبة “يوشياكي كويزومي” التأكيد بأن المصمم الشهير “شيجيرو مياموتو” يحب أن يكون كل شيء ذا معنى في ألعابه.
أوكارينا الوقت هي لعبة غارقة في الرموز والمعاني، ويكفي بأن بطلنا الشهير لينك يعزف مقطوعة العائلة الملكية في ربوع هايرول ليتمكن من الوصول إلى بعض المناطق التي لا يُسمح لعامة الناس بالوصول إليها، اللعبة تُجسد الكثير من الثقافات والأفكار والحضارات كما هو الحال مع أي لعبة فانتازيا قيّمة، فهناك على سبيل المثال تجسيد للثقافة الإفريقية من خلال جنس الـGoron، ويُمكنك أن تستدل على ذلك بوضوح من خلال حب زعيمهم Darunia للرقص مثل القبائل الإفريقية، بالإضافة إلى البشرة الداكنة، وحتى دعوته للينك بأنه “أخ”.
التجسيد للثقافة العربية، وحتى للديانة الإسلامية في اللعبة هو أمرٌ لاحظته منذ فترة طويلة، وعلى أن هذا التقرير ليس سوى تحليل واجتهاد شخصي متواضع، إلا أن آثار هذا الاستلهام والتجسيد تُلقي بظلالها على جنبات اللعبة، ومن الصعب التغافل عنها. لن أقوم بإفساد أو حرق اللعبة، لكنني سأشير إلى المكامن التي استلهمت فيها أوكارينا الزمان من الثقافة العربية، وهذا الاقتباس لم يكن فقط من الصورة العامة عن العرب، إلا أنه ربما يمتد أيضاً إلى الصورة التي صنعتها الثقافة الغربية عنا، خاصة من خلال أعمال وحكايا ألف ليلة وليلة، والتي عرفت في العالم الغربي باسم الليالي العربية Arabian Nights، ولعل هذا الاقتباس يظهر جلياً في جنس الGerudo دون سواهم.
الGerudo هم أحد الأجناس المتعددة في لعبة Ocarina of Time، ومن الصعب ألا نرى كيفية استلهامهم من الثقافة العربية، فهم قادمون من الصحراء، تماماً مثل القبائل العربية، والمنطقة العربية معروفة بالصحاري، مثل صحراء الربع الخالي. بالإضافة إلى ذلك وللأسف، فإن الGerudo في عالم اللعبة هم جنس من اللصوص، أو هكذا تم تصويرهم في أوكارينا بالذات، وهناك العديد من القبائل العربية التي كانت تعيش عن طريق قطع الطرق وترويع الآخرين، يُمكنكم حتماً ملاحظة “الرابط” هنا، ولو أن الحضارة العربية ليست الوحيدة التي انتشرت فيها الجريمة في وقتٍ ما، إلا أن مطوري زيلدا للأسف، اختاروا إلصاق هذه السمة بجنس الجيرودو دون سواهم من الأجناس.
هذا ليس الرابط الوحيد، فهناك أيضاً المحور بين جنسي الذكور والإناث، فالGerudo جنس كامل من الإناث، إلا أن الحاكم هو ذكر، وهو في لعبتنا هذه Ganondorf زعيم الشر. في الواقع، يصعب الحكم هنا فيما إذا كان هذا المحور يُجسد سطوة الذكر على الأنثى في المجتمعات العربية، أو إذا كان مطورو اللعبة يخلطون المزيد من الثقافات في الجيرودو، فهناك الأمازونيات حسب الميثولوجيا الإغريقية، وهن شعبٌ مقاتل من النساء، وربما قام المصممون بخلط الثقافتين معاً، فجنس الجيرودو من النساء مثل الأمازونيات، لكن حاكمهن ذكر له السطوة عليهن وهو جانوندورف، وهذا الجانب أقرب للثقافة العربية، وحكم الرجل للمرأة.
وتستمر أوجه التشابه والبروز للحضارة العربية على جنس الجيرودو في أوكارينا، ففتيات القبيلة يرتدين غطاءً للوجه مثل النقاب لدى المسلمات، وبشرتهن داكنة، وملابسهن تبدو أشبه بمحترفات الرقص الشرقي، وهذه هي الصورة التي ظهرت عليها الأميرة ياسمين في فيلم علاء الدين الشهير من ديزني، والذي تم عرضه عام ألف وتسعمئة واثنين وتسعين، قبل صدور اللعبة بحوالي 6 سنوات. حتى على صعيد أخلاقي، فلا يبدو على أفراد الجيرودو التمسك بمكارم الأخلاق، وإنما يغلب عليهم الإيمان بالشدة والبأس.
هناك أيضاً الأنوف الطويلة لشخصيات الجيرودو وجانوندورف، والتي تبدو مشابهة للأنف الضخم لشخصية “جعفر” من فيلم علاء الدين، والأنف الطويل هو كما تعلمون رمز للكذب والخداع في ثقافات عديدة، ولعل أوضح العلامات بخلاف ذلك هو جواد جانوندورف الأصيل، خاصة بلونه حالك السواد. بالنسبة للجيرودو، يولد ذكر واحدٌ كل 100 عام، وهذا الذكر فقط يصبح ملكاً للجيرودو، وهو في الحقبة الزمنية التي تدور بها حكاية أوكارينا الزمان، رمز الشر المطلق، جانوندورف، والذي لا يبدو لنا وفق قراءتنا الخاصة، أكثر من كونه زعيم قبيلة عربية من اللصوص، اللصوص، الذين كانوا مادة ملهبة لخيال أوروبا من خلال كتاب ألف ليلة وليلة، بحكاياه العربية والهندية والفارسية، مثل قصة السندباد، وعلي بابا، وغيرها.
إذن، فالجيرودو كما أسلفنا الذكر، ما هم إلا مزيج من العرب بالشكل النمطي الذي رآه الأوروبيون في حكايا ألف ليلة وليلة، والأمازونيات من الأساطير الإغريقية. في الحقيقة، هناك إلهامات أخرى وتأثير آخر لهذه اللعبة المليئة بالرموز والمعاني، وهو الدين، ففي معبد النار على سبيل المثال، كانت المقطوعة الأصلية للمعبد تحتوي على مزيج من الموسيقى والأذان الذي يُدعى به المسلمون إلى الصلاة، ولاحظوا أن استخدام الأذان حصل في معبد “النار” تحديداً دون غيره، النار، التي وعد الله عز وجل بها الكافرين في كتابه العزيز، والأذان في المقطوعة الأصلية تبدو أشبه بالنداء الذي يتردد وقت الصلاة من عدة مساجد في آن واحد، وستدهشون لو قمتم بالاستماع إلى المقطوعة الأصلية من هنا.
حتى أن الأذان ليس الإشارة الوحيدة للإسلام في اللعبة، فهناك أيضاً رمز القمر والنجمة الذي ظهر في أماكن متفرقة من اللعبة الأصلية، والذي تمت إزالته من النسخ اللاحقة للعبة، ولو دققتم النظر، فسترون أن هذا الرمز هو أشبه بعلم دولة تركيا، بصورة معكوسة. بالطبع، تركيا كانت المكان الذي انطلقت من خلاله الدولة العثمانية إلى العالم، كواحدة من الإمبراطوريات الإسلامية العظيمة، على الأقل عند نشأتها.
كل الدلالات والرموز في أوكارينا الزمان تم وضعها بعناية بالغة وحرص فائق، ولو كنتم ممن لعب هذه الرائعة، فربما تذكرون مقطوعة الجيرودو الشهيرة في اللعبة، وهي من أشهر مقطوعات اللعبة، وقد تم إعدادها بطابع الموسيقى الإسبانية، إسبانيا، التي وقعت تحت حكم الإسلام طويلاً، الحكم الذي انتهى عند سقوط غرناطة عام 1429 ميلادية.
رغم أن تصوير الحضارة العربية في أوكارينا قد يصطبغ بالسلبية إلى درجة ما، إلا أن مصممي اللعبة استخدموا الصورة النمطية كما ظهرت من خلال أعمال أثرت على الثقافة والحضارة العالمية، وبالذات حكايا ألف ليلة وليلة، ولذلك يصعب توجيه أصابع اللوم لهم، فهم ليسوا مصدر هذه الصورة النمطية، التي أتت من الحكايا العربية والهندية والفارسية. على صعيد ألعاب ننتندو، فإن الرمزية الدينية أو الثقافية حتى، لم تظهر بالقوة التي كانت عليها في أوكارينا الزمان مرة أخرى في سلسلة أسطورة زيلدا، خاصة مع توجه ننتندو العائلي، وسياسة الشركة المتشددة تجاه الرمزية العقائدية.
خضنا من خلال هذا التقرير رحلة عبر كتب التاريخ، وسلطنا الضوء على إحدى الروائع الخالدة من عالم الألعاب من زاوية مختلفة ومغايرة لما هو مألوف، لنكشف عن بعض المعاني الخفية فيها، ونشاركها مع القارىء الكريم.