يرتبط عشاق ألعاب الفيديو بالكثير من العاطفة تجاه شركاتهم المفضلة، فهذه الشركات هي ما يقوم بتحويل أحلام اللاعبين إلى واقع يمكنهم خوضه بأنفسهم، نعم، التجربة التفاعلية لألعاب الفيديو غيرت عالم التسلية و الترفيه إلى الأبد، و بدل أن تكون التسلية و الترفيه مادة تسمعها أو تشاهدها، أصبحت مادةً تجعلك جزءاً لا يتجزأ من كيانها. من صانعي الأحلام هؤلاء لدينا تلك الشركة الآتية من الربوع الفرنسية الجميلة، شركة Ubisoft أضخم شركات الطرف الثالث في العالم، و التي تضم في مقراتها أكثر من 10 آلاف موظف اليوم. لنتعرف معاً، على الماضي العريق و التاريخ الكبير خلف Ubisoft، الشركة التي سطّرت اسمها بحروف من ذهب في عالم الألعاب.
في مقاطعة Brittany التي تقع شمال غرب فرنسا و خلال سبعينات و ثمانينات القرن الماضي، كان هناك عائلة تمتلك شركة زراعية و هي عائلة جيمو Guillemot، و كان لدى هذه العائلة خمسة إخوة انخرطوا في التجارة منذ سن مبكرة، فكانوا يُشاركون في أعمال العائلة مثل شحن البضائع، و المحاسبة، و التوصيل، و ما إلى ذلك من نشاطات. هؤلاء الإخوة الخمسة هم ميشيل، إيف، كريستيان، جيرارد و كلود جيمو، الذين كان القدر يُخبىء لهم الكثير.
كانت الشركة تعمل مع المزارعين و لم يكن هامش ربحها كبيراً، و كانت تجارة العائلة في تراجع مستمر و لذلك كان على الإخوة أن يعثروا على مجالات جديدة لتوسعة أعمالهم، الأخ الأكبر كلود بدأ يبيع أقراص الموسيقى التي كانت شيئاً ثورياً في ذلك الوقت، و من ثم بدأ ببيع أجهزة الكمبيوتر إلى المزارعين، بعد ذلك افتتحوا متجراً لبيع مختلف الأشياء إلى المزارعين، و ذلك بخلاف الأدوية الكيميائية و الأسمدة الخاصة بالمزروعات، الإخوة بدؤوا ببيع أجهزة ألعاب الفيديو لأنها أحد الأشياء التي كان بإمكانهم الحصول عليها من الموزعين، في ذلك المتجر كان لدى الإخوة أكثر من 20 جهاز ألعاب و ما يفوق المئة لعبة.
نعم هكذا بدأت الحكاية، متجر في ريف بريتاني الجميلة يبيع الأجهزة و الألعاب إلى المزارعين، و والدة الإخوة لم تمانع مغامراتهم التجارية و إنما أوصتهم بأن يعملوا بحصص متساوية لكل منهم، النصيحة التي ثمنوها كثيراً و ربما جنبتهم الوقوع في الخلافات. الأخ الأكبر كلود رحل إلى بريطانيا ليكتشف حقيقة مذهلة هناك، إنه يشتري الألعاب من الموزعين في فرنسا بضعف السعر الذي تباع به الألعاب للمستهلكين في بريطانيا! هنا بدأ كلود يشعر بأن هناك تجارة يُمكن تأسيسها بعد اكتشاف هذه الحقيقة، و بذلك بدأ شركة تقوم بإرسال البضائع عبر البريد.
هذه الشركة تم تأسيسها عام 1984، في فترة بدأت تظهر بها بعض الشركات لألعاب الفيديو في فرنسا، و إن كانت لا تُقارن مع ما هو موجود في بريطانيا، و أحد هذه الشركات كانت Infograms الشهيرة، التي تعرفونها ربما من خلال لعبة الرعب التقليدية Alone in the Dark، و التي صدرت في التسعينات لتحقق شهرة عالمية. عندما اكتشف كلود الفرق في السعر بين فرنسا و بريطانيا، بدأ باستيراد ألعاب الفيديو من بريطانيا، و مع مرور الوقت لم يعد يبيعها عبر البريد فحسب، و إنما أصبح يبيعها أيضاً إلى أصحاب المتاجر في فرنسا، و الذين تلهفوا للحصول على الألعاب بسعر معقول، كلود كان يبيع الألعاب للمتاجر بنصف السعر الذي اعتادوا على دفعه للمزودين الآخرين، هذا قاد الإخوة إلى تشكيل شركة Ubisoft أخيراً، عام 1986، حيث اجتمع الإخوة و قرروا أنهم يعرفون الآن ما هي الألعاب المرغوبة، كيف يجلبونها و كيف يوزعونها، و الآن لم يعد باقياً إلا أن يصنعوها بأنفسهم!
لا شك بأن تطوير الألعاب في ذلك الوقت كان يبدو أشبه بضربٍ من الخيال العلمي، نعم لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق فلم يكن هناك كفاءات بارزة و لا أسواق مُجربة و يُمكن القول بأن الصناعة كانت وليدة بكل ما تحمله الكلمة من معان، بالذات في فرنسا فهي ليست اليابان و لا الولايات المتحدة الأمريكية، و لا شك أن الأمر كان صعباً جداً في بادىء الأمر على الشركة الحديثة Ubisoft، ما قامت الشركة بفعله آنذاك هو توظيف الشباب الصغار الذين بالكاد تجاوزوا 18 عاماً، و الذين كانوا يحلمون بأفكار لألعاب الفيديو و يرسمونها، الشركة جمعت فريقاً من هؤلاء الشباب و جعلتهم يُقيمون في قصر بديعٍ في بريتاني بإشراف الأخوين مايكل و جيرارد، و ذلك عوضاً عن باريس التي كانت تضم مكتب العمليات لتجارة الإخوة. حقاً، كان الهدف من ذلك هو ضم المطورين تحت سقف واحد و ذلك من أجل تنظيم العمل و إنجازه بإشراف مباشر.
الحديث عن المطورين الشباب يقودنا إلى الاسم الشهير في عالم الألعاب Michel Ancel، و الذي بدأ بتعلم البرمجة في سن صغيرة لا تتجاوز 14 – 15 عاماً. في نهاية الثمانينات قام Michel Ancel بصناعة فيلم متحرك قصير حول طبقة الأوزون، و أرسله إلى مجلة استضافت مسابقة من Ubisoft كانت تعد الفائز بجهاز كمبيوتر. Michel Ancel لم يفز بشيء، لكنه حظي بمكالمة هاتفية من Ubisoft مباشرة، حيث طُلب منه الرحيل إلى عاصمة السحر و الخيال باريس، و بالفعل فقد شد ميشيل آنسل الرحال من مونتبلييه مسقط رأسه إلى باريس عن طريق القطار، وحيداً، و بعد ساعات و ساعات من البحث (تذكروا أننا نتكلم عن الثمانينات، حتى الهاتف النقال لم يكن موجوداً آنذاك)، تمكن من العثور على مقر الشركة، و هناك استقبل المقر مكالمة هاتفية من بريتاني طلبت من الرحيل إلى هناك.
نعم، بعد أن وصل إلى باريس، وجد آنسل نفسه من جديد في رحلة إلى بريتاني التي تبعد عن باريس أكثر من 300 إلى 400 كيلومتر، و هو لا يعرف حتى ما الذي تريده الشركة منه، فهو لم يفعل شيئاً سوى صنع ذلك الفيلم المتحرك القصير. عندما وصل القطار إلى بريتاني كان هناك سيارة ليموزين فارهة تنتظر آنسل الذي شعر أنه يعيش إحدى أفلام السينما على أرض الواقع، حيث أقلته هذه السيارة إلى القلعة الفخمة ليتعرف هناك على نوايا الشركة الحقيقية في تطوير الألعاب. آنسل كان يبرمج ألعاب الفيديو بالفعل من أجل أصدقائه، و قد قام بإتمام لعبة Brain Blasters لصالح Ubisoft خلال ستة أشهر.
Ubisoft فاجأت آنسل عندما أرسلت له أول جهاز Gameboy في فرنسا بأكملها، و ذلك قبل أن يصدر الجهاز رسمياً في الأسواق الفرنسية، الشركة أرادت من المبرمج و المصمم البارع ميشيل آنسل أن يصنع شيئاً من أجل هذا الجهاز، آنسل انتقل مع عائلته إلى بريتاني و عمل على الجيمبوي كما عمل على السوبر ننتندو الذي كانت يوبي سوفت تمتلك عدة التطوير الخاصة به. كان متفاجئاً من محاولات يوبي سوفت من التودد إلى كل من ننتندو و سيجا، خاصة و أن الشركات من حوله كانت تحاول العمل على الأجهزة المتوفرة من كومودور (Amiga) و آبل. على أية حال، الإخوة لم يتمكنوا من مواصلة العمل في القلعة الجميلة، و ذلك بسبب مصاريفها الكبيرة، بالذات عند التدفئة في فصل الشتاء.
نقلت الشركة فريقها الصغير إلى باريس، و لم يكن العدد يزيد عن 5 مطورين فقط. عائلة آنسل لم ترحل معه إلى باريس لأن الحياة هناك باهظة جداً، و بعد بضعة أشهر قرر أن يترك الشركة و أن يعود إلى مونتبلييه، لم يكن يملك المال و لم يكن بمقدوره العيش جيداً في باريس. يوبي سوفت كانت شركة تتمتع بعقلية منفتحة للغاية، و هي لم تكن أي ضغينة تجاه آنسل للرحيل، على العكس تماماً، فقد تم إخباره بأن يعود إذا صنع شيئاً مثيراً للاهتمام، و سوف تقوم الشركة بمساعدته.
في ذلك الحين و بينما كان المطورون يتجهزون للعمل على تقنيات الألعاب ثلاثية الأبعاد، بدأ آنسل يعمل على لعبة ثنائية الأبعاد، ميشيل قضى عدة أشهر و هو يطور في نموذج التحريك و أساسات التحكم الأولية، و بعدها عاد بالفعل إلى يوبي سوفت ليجتمع مع عدة شخصيات في الشركة تضمنت جيرارد و إيف و ميشيل جيمو، يوبي سوفت أبدت إعجابها بغرابة الفكرة و جودة التحريك ثنائي الأبعاد و الذي بدا لهم غير مسبوق في الصناعة آنذاك.
كان قائد المشروع هو الأخ ميشيل جيمو الذي وصفه آنسل بأنه كان شخصاً منظماً و دقيقاً جداً، و قد ساعد مطوري الشركة الشباب ليصبحوا أكثر احترافية، لقد كان يفهم حقاً كيف يجب أن تُصنع لعبة و كيف يدير مشروعاً. كان من المخطط أن يتم تطوير اللعبة لجهاز Super Nintendo CD، الجهاز المشترك بين سوني و ننتندو، إلا أن هذا الجهاز لم يصدر قط. المشروع استغرق وقتاً أطول من اللازم، و هنا تدخل ميشيل جيمو و قال بأن إنجاز اللعبة سيتطلب الكثير من المال، و سيكون عليهم جلب المزيد من المطورين.
بدأ تطوير اللعبة على نطاق واسع في كل من باريس و مونتبلييه حيث تم تصميم المشروع على صعيد فني، الكثير من المواهب الشابة سخرها الإخوة جيمو من أجل هذا المشروع الواعد. عملية التطوير انتقلت إلى جهاز أتاري Jaguar، و من ثم إلى جهاز سوني الشهير Playstation. خلال عملية التطوير قفز عدد الموظفين العاملين على المشروع إلى أكثر من 100 شخص، كان مشروعاً ضخماً جداً، فقط في الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان كان هناك فرق تطوير تعمل بهذا الحجم على تطوير لعبة فيديو، يوبي سوفت استثمرت الكثير من الأموال من أجل لعبة Rayman.