لعل أكثرنا لا يحبّذ الليل وكيف لنا ألا نفعل ؟ إنه مظلمٌ باردٌ مخيف لا يؤمن له شرٌّ أبداً، لا شيء أجمل من نور الصباح الذي يشع بالأمل والحياة على جميع المخلوقات حتماً، ولكن هل الأمور تبدو حقا كما نصوّرها دوماً؟ إن نظرنا إلى الأمور من زاوية مختلفة ألا يغير ذلك الكثير؟ فلو لم يكن الليل؛ لعجزنا عن رؤية النجوم المشعة في السماء، هكذا يمكن أن يحجب النور عنا بعض الرؤية، في حين أن الظلام والعتمة قد يساعداننا على إبصار ما هو ثمين ونفيس، Odin Sphere هي إحدى التجارب التي صدرت في العام 2007 على جهاز سوني المنزلي الغني عن التعريف البلايستيشن 2 وعلى الرغم من امتلاكي للنسخة الأصلية منها في ذلك الوقت إلا أنني لم أزعج نفسي بالالتفات إليها في ظل وجود العديد من التجارب الرائعة على الجهاز آنذاك، بعد قرابة العشر سنوات من الصدور تعود إلينا اللعبة من جديد بريميك Leifthrasir والذي يقدم معه العديد من التحسينات على النسخة الأصلية فأي نوع من التجارب تلك هي التي فوتها على نفسي منذ عقد مضى؟ وهل تكون إحدى التجارب التي يخفو بريقها بمرور الزمن أم هي خلاف ذلك تماما؟
تصحبنا قصة اللعبة إلى Erion، عالم قادم من ميثولوجيا النورس حيث محاربات الفالكيري ملتفات حول Odin وقد أقسمن بالموت في سبيله، الجنيات يحلقون بكل فخر ووقار داخل مملكتهم، الدوارف السكارى يلوحون بفؤوسهم ورائحتهم النتنة قد بلغت الآفاق، التنانين وقد استوطنت أعالي الجبال الشامخة مثيرة الرهبة في قلوب أشجع الفرسان! لندع الحديث عن الأساطير الإسكندنافية جانبا ولنعد إلى الحديث عن قصة لعبتنا والتي تروي عن المملكة السحرية Valentine التي امتلكت سلاحا ذا قوة مرعبة يعرف باسم Cauldron لكن تلك المملكة تعرضت للدمار في ظروف غامضة لا يعرف كهنها أحد، وسقوطها كان بداية الصراع المستميت بين الممالك المجاورة للحصول على قوة السلاح المدمر والذي تقلب فيه نبوءة Armageddon أولى صفحاتها فماذا تكون هذه النبوءة؟ وما هو سر الانهيار المفاجئ للمملكة السحرية؟ وأي مصير ينتظر Erion في خضم هذا الصراع؟ أسئلة نتعرف إجاباتها عبر أبطالنا الخمسة Gwendolyn, Cornelius, Mercedes, Oswald, Velvet حيث سيروي كل منهم هذه الحكاية وفق منظوره الشخصي وبالحديث عن هذه النقطة فلعل أكثر ما أثار دهشتي في خضم تجربتي هو قصة اللعبة إذ أني لم أتوقع سوى شيء ذا مستوى بسيط جدا إلا أن ما رأيته هنا قد حطم توقعاتي بسهولة! إن قصة Odin Sphere لا تتميز بحبكتها وبناء عالمها فحسب، بل في أسلوب سردها كذلك، كما ذكرنا آنفا ستخوض قصة اللعبة بالأبطال الخمسة وستقوم بذلك تباعا حيث أنك ما إن تنهي قصة بطل ستنتقل بعدها إلى قصة البطل الذي يليه ومع خوضك في قصة هذا البطل ستتبين لك عدة حلقات مفقودة من البطل السابق ومع ذلك فلن تشعر بأن هذا يؤثر سلبا على مجريات قصة الشخصية أو نهايتها، قصة Odin Sphere هي إحدى عوامل قوتها دون أدنى شك فهي لا تخلو من المشاعر الإنسانية واللحظات المؤثرة التي تزخر بالحب والتضحية والفداء بين الشخصيات الرائعة الذين ستتعاطف حتما مع قصصهم والمعاناة التي سيمرون بها.
لعل أكثر ما قد يستوقفك ويشد انتباهك هنا هو جمال المظهر العام للعبة ولا تعجب من ذلك بتاتا عزيزي القارئ فعالم Odin Sphere قد تم رسمه يدويا بريشة الفنان George Kamitani ومن الجلي جدا أنه لم يدخر جهدا في تصويره بأبهى حلة، إن عالم Erion بغاباته ومدنه وقلاعه وحتى خرائبه غذاء للعين ومتعة للناظر إليه ولا تقتصر حدود الجمال هنا فحسب إذ أن ما ستمسعه من ألحان سيحرك أحاسيسك ببراعة فتارة ستجد نفسك تشتعل حماسا أثناء مواجهتك للأعداء وتارة تجد قلبك ينفطر حزنا عما يقاسيه أبطالنا في رحلتهم، إن Odin Sphere هي إحدى التجارب النادرة التي تنجح بمداعبة حواس اللاعب بطريقة تعجز عنها الكثير من الأعمال من مختلف التصنيفات وهذا الأمر خير دليل على أن مطور اللعبة Vanillaware قد وضع الكثير من الجهد والحب داخلها، قبل أن ننهي الحديث عن الصوتيات فمن الجدير بالذكر أن اللعبة تقدم لك كلا من التمثيل الصوتي الياباني والانجليزي وبإمكاني القول بعد تجربة كليهما أن الأول يتفوق على ذاك الأخير بفارق شاسع إذ أن الأصوات الإنجليزية بدت باردة وخالية في كثير من الأحيان من المشاعر -باسثتناء صوت liam o’brien المميز بشخصية Ingway- على عكس التمثيل الياباني الذي برزت فيه مشاعر الشخصيات بشكل واضح جدا مما أدى إلى زيادة قوة العديد من لحظات القصة بالنسبة إلي.
لننتقل الآن إلى الحديث عن نظام القتال، Odin Sphere هي لعبة أكشن آربي جي بتصوير جانبي وعلى الرغم من تصنيفها فإن نظام القتال هنا يمتاز بسرعة وسلاسة تجعله أقرب إلى الهاك آند سلاش وهو أحد الأمور الجوهرية التي تم تغييرها عن النسخة الأصلية للبلايستيشن 2 ومع هذا فاللعبة تعطيك الخيار بتجربتها كما كانت قبل تغيرها عن طريق طور Classic واسمحوا لي بالإدلاء باعتراف بسيط وهو أنني شعرت بالسعادة لأنني لم أقم بتجربة النسخة القديمة آنذاك إذ أن نظام القتال الكلاسيكي بدا محدودا نوعا ما بعكس النظام الجديد الحماسي جدا فسوف ستجد الكثير من المتعة أثناء الانقضاض على الأعداء برمح Gwendolyn، والتلويح بسيف Cornelius القوي، والتحليق أثناء الإطلاق بقوس Mercedes، وإطلاق عنان السرعة الجنونية للفارس Oswald وهو في طور الهائج، ولا أنسى بالطبع الحركات الراقصة لـVelvet بسلاسلها، إن اللعبة تقدم تنوعا فريدا بحق بوجود خمس شخصيات كل منها يمتلك نظام قتال مختلف عن الآخر! إلا أن هذا الأمرأدّى إلى وقوعها في خطأ مزعج وهو أنك ستقوم بتكرار بضعة مناطق وعدة زعماء بشخصيات مختلفة وهو أمر لا مفر منه لغاية طرح القصة إلا أنه يؤثر نوعا ما على التجربة الكلية ولنختم حديثنا هنا عن السلبيات بوجود تفاوت في مستوى صعوبة الأعداء في بضعة مناطق داخل اللعبة، والحديث هنا ليس عن الزعماء الاختياريين الأقوياء الذين تضعهم اللعبة في مناطق جانبية في حال رغبت في رفع مستوى شخصيتك والحصول على قدرات جديدة، بل عن التحدي الذي تقدمه بشكل عام حيث أنك ستصادف أحيانا مناطق يكون فيها الزعماء غاية في القوة وفي المناطق التالية يكونون أضعف بكثير عن من سبقهم، هذه المشكلة لم تصادفني كثيرا في الواقع، إلا أنه وجب علي التنويه عنها.
لن تقضي كل وقتك في قتال الأعداء في Odin Sphere فاللعبة تقدم لك ما هوأكثر من ذلك حيث ستوفر مناطق آمنة بإمكانك الحديث فيها مع الشخصيات والاستماع لهم، الحوارات هنا رغم قصرها إلا أنها تصف لك الوضع الذي تمر به هذه الشخصيات بشكل ممتاز حقا، كما يمكنك فيها التعامل مع الطاهي لإعداد وجبات شهية ستقوم باستعادة نقاط حياتك وزيادتها بل ورفع نقاط الخبرة لديك وبالطبع لن يكون هذا بالمجان أبدا، إذ عليك الإتيان بالمكونات اللازمة للطاهي والتي يمكنك الحصول عليها عبر جنيها في المعارك أو شرائها من التجار بالإضافة لبعض المواد التي ستفيدك في رحلتك أو حتى زراعتها بنفسك! وكلما زادت ندرة المكونات زادت فعاليتها أكثر فأكثر ومن الجدير بالذكرأيضا أنه بإمكانك الحصول على وجبات في مناطق معينة دون الحاجة لمكونات خاصة ولكنك ستدفع ثمنها بنوع من العملات النادرة التي تجنيها من خلال الحصول على تقييمات جيدة في المعارك التي تخوضها والتقييمات تعتمد على سرعتك في هزيمة الأعداء ومهارتك في تنفيذ الضربات التسلسلية دون تبقيك لأي ضرر، ليس الطاهي وحده من سيستفيد من المكونات التي ستقوم بجمعها إذ أن اللعبة توفر لك أيضا إمكانية صناعة جرعات مختلفة الخواص والاستعمالات فمنها ما سيشفي جروحك وبعضها سكون خير عون لك في المواجهات الحامية وقد يكون منها ما يمنحك بعض… من يدري؟ إنها مقاديرك في النهاية.
تأخذ اللعبة قرابة 35 إلى 40 ساعة لإنهائها وهي فترة ممتازة للّعبة، قد تختلف حسب أسلوب لعبك ورغبتك في إظهار مختلف القدرات والمناطق السرية والزعماء الجانبيين بالإضافة إلى احتوائها على عدة نهايات مختلفة تعتمد على أمر لا أستطيع التعمق فيه ناهيك عن ذكره تجنبا لإفساد أحداث القصة إلا أنني أكتفي بالقول أن الحصول على النهايات لا يتطلب منك إعادة ساعات طويلة من اللعب لرؤيتها جميعاً وهو قرار موفق جداً من قبل فريق التطوير فاللعبة تقدم محتوى ممتازا بالفعل ولا حاجة لإطالته دون داعٍ، ختاما فإن Odin Sphere هي من التجارب التي لا يجب على اللاعبين تفويتها مطلقاً فما تقدمه في جميع عناصرها قلّ أن نجد له مثيلا هذه الأيام، إنها بحق نجمة صامدة لم تزدها عتمة الليل وظلمته سوى بريقا وجمالا، فما الذي تنتظره عندك؟ احصل عليها الآن وتمتع بواحدة من أفضل التجارب على الإطلاق!