أعمال H. P. Lovecraft قدمت الرعب والخيال بشكل غريب وفريد لتصبح من المصادر الرئيسية لإستلهام الأفكار في العديد من أعمال الرعب من أفلام وروايات وحتى ألعاب الفيديو مما يوصلنا إلى هذه المراجعة، بعد أن وضعنا أيدينا على The Sinking City وأخذنا وقتنا للتعرف على عالمها وقصتها المقتبسة من أعمال H. P. Lovecraft حان الوقت لننقل إليكم تجربتنا.
القصة تضعكم في دور Charles W. Reed عضو سابق في البحرية الأمريكية وأحد المشاركين في الحرب العالمية الأولى الذي أصبح يعمل كمحقق خاص بعيدا عن ساحات المعارك، الأحداث تدور في عشرينات القرن العشرين حيث يجد Reed طريقه إلى مدينة Oakmont المعزولة، كحال العديدين حول الولايات الأمريكية المتحدة يعاني Reed من هلوسات مع كوابيس متكررة تأخذه إلى Oakmont الغارقة ليرى نفس الوحش الضخم والمرعب مجدد، Oakmont أصبحت معزولة عن اليابسة منذ بضعة أشهر بسبب حدث يعتبر خارق للطبيعة سمي “الفيضان” والذي قطعها عن اليابسة وتسبب في غرق جزء كبير منها وسبب إعتباره على أنه خارق للطبيعة هو ظهور الوحوش والمخلوقات المخيفة التي يعتقد أنها مرتبطة بالـ”الفيضان”.
Oakmont مدينة غريبة وأهاليها متباينون في المظهر والمعتقدات ولكنهم يبقون متشابهين من حيث غرابتهم وإنطباعهم العام عن الغرباء إضافة إلى المصطلحات المحلية الغريبة التي قد تكون كيفية إتيانهم بها لغزا لوحده، القصة تبدأ بالبحث عن إجابة لسبب إنتشار الهلوسات والكوابيس وتتشعب في عدة نواحي مختلفة ليتم رسم الصورة الكبيرة عمّا يحدث بشكل جميل، فريق التطوير وضع العديد من الإيحاءات منها الضمني ومنها الواضح بخصوص العديد من القضايا التي تشكل جزءً من مشهد الحياة اليومية الحالي فنجد التطرق إلى العنصرية والجماعات المتطرفة دينيا أو عرقيا وغيرها العديد من الصور التي تنسجم بشكل جيد مع قصص H.P. Lovecraft بشكل عام.
المدينة مصممة بشكل جيد يعكس سوداوية وكآبة الحياة فيها، “الفيضان” تمكن من إغراق العديد من المباني والشوارع حتى أنه أغرق المنظومة الإقتصادية المتعارف عليها فأصبح الرصاص هو العملة الوحيدة للمتجارة عوضا عن الدولار الذي بات بلا قيمة، عند التجول في البلدة سترون اللصوص الذين يحاولون الدخول إلى أحد البيوت بينما البعض يهلوس في منتصف إحدى التقاطعات والأخر نائم في أحد الزوايا، السيارات والعربات أصبحت مهملة في الشوارع بعد أن فقدت قيمتها مع الحاجة إلى إستخدام القوارب للتنقل في المناطق التي لم تغرق بالكامل ونجد بأن التصميم كان ممتازا من الناحية التصويرية ولكنه يعاني من بعض النواحي العملية فالعديد من البيوت التي ستدخلونها مصممة بنفس الحجم وتوزيع المساحات ولكن مع تغيير الديكور لا أكثر مما يجعلكم تشعرون بأنكم تدخلون نفس المكان مرارا وتكرارا إضافة إلى الشوارع التي تجعل من التنقل غير عملي وهو أمر سنتحدث عنه لاحقا.
أثناء التجول بإستخدام القارب شاهدت أحدهم يقفز في المياه التي تملؤها الوحوش الخطيرة مما دفعني إلى التفكير في سبب إنتحار هذا الرجل البائس، هل كان ممن تراودهم الكوابيس الفظيعة؟ أم أنه يعاني من الفقر بعد الأضرار التي تسبب بها “الفيضان”؟ ثم لاحظت أن الشخصية ظهرت مجددا لتعيد السقوط في المياه لأدرك أنه مجرد خطأ تقني شائع مما يجلبنا إلى الجانب التقني، معدل الإطارات ليس ثابتا وهو متقلب جدا ما بين العمل بدقة 60 إطارا في بعض المناطق والإنخفاض حتى 30 إطارا في العادة أو أقل من ذلك في بعض الأحيان، حركة الشخصيات وكيفية حركة الشفاه بدائية وتكاد تكون أشبه بما نراه في بعض ألعاب البلايستيشن 2 في بعض الأحيان، أيضا فظهور وإختفاء الشخصيات أثناء تجولكم سيصبح شيئا معتادا وربما يتم إصلاح بعض من هذه الأخطاء بتحديثات مستقبلية.
العديد من تفاصيل البيئة تظهر من حولكم أثناء التجول في المدينة بالرغم من أن الرسومات ليست بتلك الدقة والتفصيل الذي يبرر هذا الشيء كما أنه من المزعج ظهور شاشة تحميل قصير عند محاولة الدخول في مبنى مغلق وقد كان بالإمكان تقديم شيء أفضل من الناحية التقنية بلا شك، من ناحية الموسيقى والألان فلا وجود لها بشكل عام ولكن اللعبة ليست من النوع الذي يحتاج إليها على كل حال.
The Sinking City هي لعبة تحري ورعب بقاء والتقدم في القصة يتم من خلال حل القضايا الأمر الذي يتطلب منكم قراءة العديد من الرسائل، الإعلانات، والتقارير لفهم القصة وملابسات القضايا، عند تولي قضية ستتوجهون في العادة إلى مسرح لجريمة ما أو ستحققون في حدث من الأحداث التي حصلت مؤخرا، جزئيات التحقيق تتم في العادة في منطقة مغلقة تقومون فيها بجمع مختلف الأدلة من حولكم وإستجواب الشخصيا وفي بعض الأحيان ستجدون أدلة تتطلب منكم مراجعة صحيفة المدينة أو مركز الشرطة على سبيل المثال للبحث في السجلّات عن مستندات وملفات قديمة لكشف المزيد من التفاصيل بشكل شبيه بعملية التحقيق في الواقع.
في بعض الأحيان ستحتاجون إلى إستخدام الـMind’s Eye وهي قدرة مميزة يمتلكها المحقّق Reed منذ أن بدأت الكوابيس تراوده وتمكنه هذه القدرة على رؤية أسرار وأدوات مخفية لا تراها العين البشرية، من بعد الإطلاع على مختلف الأدلة ستقومون بتخيل عدة مشاهد مبنية على معلوماتكم الحالية و ستقومون بترتيبها بالشكل الزمني الصحيح وتنتهون بالربط ما بين الأدلة التي حصلتم عليها للوصول إلى عدة إستنتاجات تنتهي بإستنتاج نهائي يحدد مسار القضية، ستتوفر لكم القدرة على إختيار طريقين في العادة للتعامل مع القضايا كما ستتوفر عدة خيارات لتفسير بعض الأدلة بالشكل الذي تميلون إليه، بعض الخيارات كأن تسمحوا لأحدهم بالهروب مقابل رشوة أو معروف أو تسليمه للشرطة والقيام بما هو صحيح أخلاقيا تبدو وكأنها إختيار ما بين الأبيض والأسود فقط بشكل متطرف إلا أن بعض الأمور ليست بالوضوح الذي تبدو عليه في كثير من الأحيان وستكتشفون أحيانا بأن ما ظننتم أنه خيار خاطئ كان الحل الأفضل فعليا.
مع تواجد الوحوش وبعض الجماعات والعصابات الخطيرة ستحتاجون إلى الدفاع عن أنفسكم بشكل متكرر من خلال إستخدام الأسلحة النارية أو ضرب الخصك عن قرب بإستخدام مجرف صغير تستخدمونه كسلاح يدوي، نظام القتال بسيط جدا ويخلو من أي تعقيد ولكن على عكس الألعاب التي تقدم نظاما بسيطا وممتعا إلا أن The Sinking City تعاني من نظام بدائي يعيبه عدم الدقة في التصويب وفي حال إحتجتم لإستخدام قنبلة فعليكم فتح عجلة الأسلحة وإختيارها لرميها على الخصم دون وجود أزرار للتبديل المباشر ما بين الأسلحة أو أزرار مخصصة للقنابل ونحوها وهي من الخصائص التي أصبحت رئيسية منذ زمن طويل، النظر إلى الجثث والوحوش وغيرها من المشاهد المرعبة والعنيفة سيتسبب في تدهور الصحة العقلية لكم لذا يتوجب عليكم عدم إمعان النظر فيها لفترة طويلة لأنها ستتسبب بالهلوسات وتدهور في الرؤية وفي حال كنتم في حالة خطرة يمكنكم حقن أنفسكم بدواء للرفع من الكفاءة العقلية ونفس الأمر ينطبق على صحتكم في حال تدهورت.
الجزئية الأخرى التي قد تكون مزعجة ضمن تجربة اللعب هي التنقل في المدينة فالشخصية لا تتحرك بالسرعة اللازمة حتى عند الركض كما أنكم ستحتاجون إلى فتح الخريطة مرارا وتكرار أثناء التنقل في المدينة بسبب تصميمها المربك وعدم تواجد خريطة مصغرة، في القضايا التي تتطلب منكم التنقل بين عدة أماكن لجمع المعلومات ستشعرون بالملل وأنتم تضيعون الوقت في التنقل خاصة عندما تضطرون للركض ومن ثم أخذ الزورق لمسافة قصيرة ومن ثم التأكد من الخريطة والعودة للركض مجددا وبالرغم من تواجد مناطق للتنقل السريع إلا أنها ليست موزعة بأفضل شكل ممكن.
اللعبة لن تتطلب منكم أي معرفة مسبقة بأعمال H. P. Lovecraft للإستمتاع بالقصة وتفاصيلها، جزئية التحري ممتعة جدا والتفاصيل التي تكتشفونها أثناء تلك الجزئية سواء كانت متعلقة بالهلوسات والكوابيس أو بتاريخ وثقافة Oakmont تبقي التجربة مثيرة للإهتمام مع العديد من التغيرات والمفاجآت التي تطرأ على القصة ويمكن القول بأن قريق التطوير أتقن تقديم جوهر هذه التجربة ولكنه لم يفلح في كمالياتها، في حال كنتم من محبي التحري وجمع الأدلة ولا تمانعون السلبيات التي ذكرناها فستجدون أن The Sinking City تقدم تجربة ممتعة جدا بقصة متشعبة ومليئة بالمزيد من التفاصيل لمن يبحث عنها.