السماء مُظلمة و الأجواء عاصفة، تلك الفتاة الصغيرة تُبحر عبر زورقها الصغير وسط الظلام و الأمطار في تلك المدينة الغارقة ماضية نحو المجهول، تلك الفتاة ذات المظهر الوحشي و العينين الحمراوتين. أين أنا؟ ما الذي أتى بي إلى هذا المكان؟ لم يُحاول ذلك الوحش الضخم أن يبتلعني؟ دعوني أُطارد تلك الفتاة المرحة، إنها الشعاعُ الذي يُضيء نهاية النفق…
شدّت لعبة “بحر الوحدة” انتباهي منذ أن تم عرضها للمرة الأولى، فلطالما كنت ساعياً خلف الألعاب التي تستخدم هذا الوسيط بصورة فنية، الألعاب التي تحمل في جوفها رسالة إنسانية، و التي تكسر الحدود التفاعلية لمفهوم و ماهية اللعبة، اللعبة التي لم تكن في الماضي تعني سوى الفوز أو الخسارة، هذا المفهوم، الذي تغيّر إلى الأبد عندما صدرت الرائعة التاريخية Ico من المصمم صاحب المُخيلة الخصبة “فاميتو يودا”. منذ ذلك الحين أصبحت ألعاب الفيديو وسيلة للتعبير عن الذات بصورة غير مسبوقة، أصبحت وسيلة لخلق ألعاب تفاعلية تعكس تجارب الآخرين، و تطرح قضايا إنسانية و اجتماعية عديدة.
على الرغم من أن اللعبة تحمل اسم Sea of Solitude، إلا أننا لا نرى حقاً أن اللعبة تُعالج مفهوم العزلة أو الوحدة كما كنا نتوقع أو كما يُشير الاسم، و إنما تطرح اللعبة عدة قضايا اجتماعية و تضعها تحت المجهر، و هي في معظمها عائلية، و من الواضح أنها تعكس التجارب الشخصية لمُخرجتها الألمانية Cornelia Geppert.
من الممكن أن نصف هذه اللعبة بأنها (تجربة تفاعلية) في المقام الأول، طريقة اللعب بسيطة للغاية و هي تتضمن الإبحار عن طريق الزورق للوصول إلى المكان التالي، السباحة في الماء للانتقال من مكانٍ إلى آخر مع مراقبة الوحش الأسود الضخم الذي يجوب الماء و يحاول ابتلاع بطلتنا اليافعة “كاي”، مع إمكانية القفز و التسلق. الاستكشاف محدود، إلا أن المطورين ملؤوا عالم اللعبة بزجاجات تحتوي على رسائل ليعثر اللاعب عليها، و على طيور يُمكن تحريرها، و ذلك لتعزيز تجربة الاستكشاف، و حتى لا تكون اللعبة خطية و خاوية تماماً، و هو قرارٌ نرى أنه كان موفقاً.
باستخدام زر الكتف يُمكن لكاي أن تُطلق كرة بلورية في الهواء، هذه الكرة ستطير إلى النقطة أو المكان التالي الذي ينبغي على اللاعب الوصول إليه. الهدف الأساسي من اللعب هو أن تقوم “كاي” بشفط الظلام الموجود في نقاط متفرقة في اللعبة عن طريق حقيبتها، و بالطبع فإن الأمر يحمل استعارة جمالية حول سحب المشاعر السلبية من الآخرين، و مشاركتهم الأفراح و الأحزان.
على أية حال، ليس هناك ما ضايقنا في طريقة اللعب رغم بساطتها، رغم أننا نعتقد بأن بعض الجزئيات قد تستفز اللاعب غير الصبور، خاصة و أن اللعبة لا تستعمل دلالات بصرية لإرشاد اللاعب إلى أين ينبغي له أن يذهب (مثل استخدام اللون الأبيض في Uncharted)، كما أن الحركة محدودة خاصة مع كثرة المياه في عالم اللعبة (مدينة غارقة مهجورة تم استلهامها من العاصمة الألمانية برلين).
أما على صعيد السرد القصصي، و على أننا نعترف بأن اللعبة يُمكن لها أن تكون مؤثرة، إلا أن قدرة اللاعب على الارتباط بها تتعلق كلياً بمدى قدرته على الارتباط بالقضايا و المشكلات التي تطرحها اللعبة، و هذا لأن طريقة السرد ليست ضمنية بل هي مكشوفة و واضحة للغاية و لا تترك شيئاً لمُخيلة اللاعب. مع ذلك، علينا أن نقر بأن طريقة التقديم من ناحية التصوير الفني لمشاعر الشخصيات كانت مميزة حقاً، خاصة مع تصوير مشاعر الغضب و الحزن و الانكسار و الأمل، و ذلك عن طريق الاستخدام البارع للألوان و الاستعارات البصرية.
هذا يقودنا إلى الحديث عن المستوى الفني في اللعبة و هو رائع و متألق للغاية تماماً كما يبدو في العروض، اللعبة جميلة بحق و هي تستخدم الألوان و التضاد اللوني ببراعة فائقة و من الواضح أن مصمميها على دراية كبيرة بدائرة الألوان و العلاقات اللونية، إلا أننا لم نكن أكبر المُعجبين برسوم الشخصيات و تصاميمها. التمثيل الصوتي كان متواضعاً و دون المستوى للأسف و هذا قلل قيمة الإحساس بالتجربة الكلية، إلا أن الموسيقى كانت خليطاً رائعاً بين البيانو و الكمان لتحمل الكثير من المشاعر و الأحاسيس. بقولنا ذلك فإن الموسيقى ليست قابلة للتذكر بعد إنهاء اللعبة أو الابتعاد عنها.
بحر الوحدة هي لعبة فنية من طرازٍ رفيع، إلا أنها لعبة تُعاني من الوضوح الشديد في السرد القصصي، و الذي يتعارض مع طريقة التصوير الفنية لها و الاستعارات البصرية، من الصعب أن يرتبط بها اللاعب إن لم تكن القضايا التي تطرحها اللعبة تمسه بشكلٍ مباشر و لأكن صريحاً فإن بعض هذه القضايا (مثل الانفصال عن الرفيق أو الرفيقة) هي قضية اجتماعية و نفسية في العالم الغربي لكنها ليست موجودة في مُجتمعاتنا العربية و لا يُمكن لنا أن نرتبط بها، أما طريقة اللعب فهي كعادة هذا النوع من الألعاب، غير كافية لوحدها لتجعل اللعبة تقف على أقدامها. مع ذلك، فإن بحر الوحدة ستكون أشبه بالكنز الثمين في أيدي اللاعب الذي تلعب التجربة على أوتاره العاطفية، و هي تحمل في طياتها رسالة إيجابية نُرحب بها.
حصلنا على اللعبة من الناشر قبل موعد الإصدار.