هل سبق وأن آذيت أحداً من قبل؟ لا أعني أذية بدافع الانتقام أو دفاعا عن النفس وما شابه وإنما أذية محضة بلا مبرر حقيقي، أخبرني، أشعرت بالرضا عن نفسك؟ هل كان الأمر ممتعا لدرجة دفعتك لفعله مرارا وتكرارا؟ هل تخيلت نفسك في ذات موقف من آذيت؟ أتعتقد أنّك كنت ستشعر بذات الشعور الذي شعرت به إن كنت مكانه؟ لا؟ إذاً دعني أطرح تساؤلاً مغايرا: هل سبق وأن أوذيت من دون ذنب اقترفته؟ أشعرت بالألم؟ أبحثت عمّن يمكنه أن يشاركك إياه؟ هل أخبرته كم أنت وحيد؟ أنك تعاني؟ كيف أنّ الدنيا أظلمت حولك وأنك لم تعد تقوى على الاستمرار؟ … أتعلم يا صديقي أنّ هذين التساؤلين المعاكسين لبعضيهما قد يكونان لذات الشخص؟ لعلّ من يتسبب بالألم إلى الآخرين ما هو إلا شخصٌ أراد محو ما يعانيه كرب وحزن إلا أنه فشل في استعمال الأسلوب الصحيح لفعل ذلك، أيثير الأمر اهتمامك؟ لربما ترغب إذا في خوض غمار هذه الرحلة معي فلعلّك تحصل منها على أكثر من مجرد المتعة فقد تجني منها عبرة تكون أنيسا لك في حياتك! إذا… أتريد أن نبدأ؟
Denska هي بلدة قد فقدت كل شيء، حياتها وسكانها وألوانها وأمست بلدة خاوية بلا روح أو جمال إلا أن الصبي اليافع Ash لم يستطع التخلي عن الذكريات الجميلة التي عاشها داخل البلدة وأخذ يسترجع عبر كتيّب رسومه البسيط كيف كانت تشع بهجة وإشراقا قبل أن يغلفها الظلام والكئابة ولسوء الحظ فإن بطلنا الصغير المسالم يجد نفسه وحيدا أمام عصابة من المتنمرين الذين جعلوا من البلدة الكئيبة ملعبا ضخما لهم وكأي متنمرين يحترمون لقبهم، يقومون بتمزيق كتيبه وإرساله قسرا إلى المنارة المهجورة في البلدة والتي يشاع عن كونها مسكونة بالأشباح ويتضح أن تلك الإشاعة لم تكن مخطئة تماما حيث تتجسد إحدى رسوم Ash أمام ناظريه وتمنحه فرشاة عجيبة تملك القدرة على دحر الظلام الذي غزا Denska لتبدأ رحلة بطلنا لإعادة بلدته الحبيبة إلى سابق عهدها، قصة Concrete Genie واضحة ومباشرة وبسيطة ولا تحمل عمقا حقيقيا فيها وبالرغم من أنها تطرح قضايا اجتماعية حساسة وهامة في شتى بقاع الأرض إلا أنها لم تتعمق فيها بشدة وهذا ليس شيئا سيئا بالضرورة فاللعبة مبنية على أساس البساطة ومن الواضح أن فريق التطوير قد سعى أن تصل الفكرة إلى مختلف الأعمار، لا أقول أن القصة إحدى نقاط قوة اللعبة بالضرورة إلا أنها تؤدي المطلوب منها حتما.
رحلة Ash لن تكون بالسهلة أو اليسيرة على الإطلاق إذ سيتخللها العديد من الـ… امممم المعذرة انسوا ما قلته تماما إنها سهلة، بل سهلة جدا! نظام اللعب هنا غاية في البساطة حيث سيكون عليك التجول في أرجاء البلدة وإضائة أنوارها عبر رسومك وهي عملية يسيرة جدا فحتى بالنسبة لشخص لا يفقه في الرسم شيئا -أنا- سيكون قادرا على صناعة لوحة خلابة فأنت لا تقوم بالرسم فعليا ولكنك ستسعمل قوالب جاهزة متمثلة في صفحات كتيّب Ash التي ستعثر عليها متناثرة في أرجاء البلدة وبالحديث عن الأمر فإن جمع الصفحات عملية ممتعة وتشجعك على الحصول عليها كلها بالرغم من أن العثور عليها ليس بالأمر الصعب إطلاقا حيث أنها تضيف المزيد من الرسوم والمزيد من التصاميم الظريفة لمخلوقات “الجيني” الذين سكونون عوناً لك في تجاوزك للعوائق التي لن يكون تخطيها بالأمر العسير إطلاقا فهي تقتصر على فتح الطرق أمامك للوصول إلى المناطق التالية وعلى الرغم من تواجد ثلاثة أنواع مختلفة من مخلوقات “الجيني” وهي الناري والصاعق والهوائي الذين يملكون قدراتهم الخاصة إلا أنهم يقومون بذات العمل وهو فتح الطريق أمامك كما أنك ستفعل ذات الشيء لهم بإزاحة الظلام عن جدران البلدة وتوفير سبيلٍ لهم فيها لكن أولا سيتوجب عليك عادة إرضاء أصدقائك الظرفاء برسمة يرغبون بها أو ربما عبر اللعب معهم! وفي نهاية كل منطقة ستقوم برسم “التحفة الفنية” والتي ستساعد على التخلص من المناطق المظلمة داخل بالكامل إلا أن هذا الجانب لم يمتلك سحره الخاص مع الأسف إذ أنه بدا مشابها لأحد التجميعات الجانبية وهي “اللحظات” حيث يكون عليك رسم عدة أمور معينة على الجدار لفتحها ولكن الفارق الوحيد هنا هو حجم الجدار الضّخم مقارنة بالبقية.
لنعد إلى جانب العوائق في اللعبة بالحديث عن المتنمرين الذين يمثلون خطرا يتوجب عليك الحذر منه… حسنا، ليس تماما هؤلاء الفتية لا يرون أبعد من أنفهم كثيرا فحتى عندما كنت أمر من أمامهم كانوا بحاجة لبعض الوقت قبل أن يقرروا مطاردتي وبإمكانك استدراجهم وابعادهم عن طريقك بمنتهى السهولة فهم عكس Ash غير قادرين على التسلق كما أن جلّ ما سيفعلونه لك في حال استطاعوا رؤيتك دون الوصول إليك هو قذفك بالحجارة التي لن تتسبب بضرر فعلي لك، وبدافع الفضول أردت معرفة ما قد يجري في حال أمسكوا بي فجعلتهم يفعلون لينتهي الأمر بي في حاوية المهملات وهو ليس أمرا حميدا بلا شك لكنه ليس أسوأ مصير قد تقابله، ودعوني أنهي حديثي عن المتنمرين بأمر إيجابي فحين اقترابهم من رسومك ومخلوقات الجيني فإنهم سيفقدون ألوانهم البراقة ويصبحون بلا حياة داخلهم ولكنهم سيستعيدون رونقهم السابق حين ابتعادهم وهي لفتة جميلة أثارت إعجابي كثيرا!
لنتحدّث الآن الجانب الذي أثار شوقنا لهذه التجربة وهو الجانب الفني، مما لا شكّ فيه أن Concrete Genie هي تجربة من الطراز الرفيع في ما يتعلق بهذه النقطة تحديداً إذ أن رسوم الشخصيات مشابهة إلى حدٍ بعيد تلك الموجودة في الفيلم الرائع Coraline ولا أظن أبدا أنني بحاجة للحديث عن روعة ما يرسمه Ash على الجدران ما بين مخلوقات “الجيني” والطبيعة الخلابة إذ أن هذا الجانب وحده مسرّة للناظر وبهجة للعين، إضافة للعروض القصيرة التي تحدثنا عن ماضي المدينة والشخصيات والتي قدمت بتوجه فني مختلف وجذّاب إضافة للقوائم المقدمة بشكل يخدم جمال اللعبة ولا يقتصر الجانب الفني هنا فحسب فمخلوقات “الجيني” ستتفاعل مع ما يرسمه Ash بشكل يرسم البسمة على من يراه وإنه لمن الرائع حقا مشاهدة هذه التفاصيل الصغيرة على الرغم من بساطتها!
ما لم أتقبله باللعبة حقا هو نظام القتال الذي تضعه في الجزئية الأخيرة منها إذ بدا محدودا وسطحيا بشكل كبير ولحسن الحظ أنه لا يستمر لفترة طويلة وسيختفي فور إنهائك للعبة ولكنك ستخرج منه على الأقل بخاصية مفيدة وهي التزلج التي ستجعل التنقل عملية أسهل في حال أردت الحصول على بقية التجميعات داخل اللعبة ولكن هذه الخاصية تعاني من مشكلة بسيطة إذ أن الكاميرا تصبح مزعجة بشكل كبير في الأماكن الضيقة وهو أمر لم يزعجني كثيرا إذ أنني لم أشعر به إلا بعد إنهائي لها. عمر اللعبة ليس طويلا حقا ويمكن إنهاؤها في خمس ساعات أو أقل وقد تحتاج لإضافة بعض الوقت كي تتمكن من إنهاء كل شيء داخلها ولكن دعونا نذكر أن هذه اللعبة لا تباع بسعرها الكامل إذا ما تغاضينا عن حجم فريق التطوير الصغير وأرى أن التجربة قد كانت مرضية بشكل مجمل ولا أملك أي اعتراضات على هذا الأمر، ومن الجدير بالذكر أن اللعبة تدعم كلا من الترجمة والدبلجة العربية وهي بادرة طيبة من شركة سوني وفريق التطوير إلا أن خط الترجمة في القوائم كان صغيرا بعض الشيء كما أن التمثيل الصوتي الإنجليزي بدت أكثر تعبيرا من نظيره العربي لذا لم أستمر في كثيرا في خيار التعريب وفضلت التحويل إلى اللغة الأصلية.
Concrete Genie تضع التجربة الفنية فوق وقبل كل شيء وعلى من يقتنيها إدراك ذلك جيدا، لتبسيط الأمور أكثر إن كنت تبحث عن تجربة عميقة أو تقدم أيّ نوع من التحدي فربما يتوجب عليك الابتعاد عنها، في حين إن كنت تبتغي الحصول على رحلة بسيطة مليئة باللحظات الدافئة فهذه اللعبة قد تصل إلى مرحلة ضرورة الاقتناء بالنسبة إليك! على صعيد شخصي أشعر بالسعادة حقا لأني حظيت بفرصة تجربة اللعبة على الرغم من محدوديتها في أمور عدة ففي النهاية هي تجربة مميزة وفريدة ستبقى في ذاكرتي لفترة من الزمن دون أدنى شك!
تمت المراجعة بنسخة البلايستيشن 4 التي تم توفيرها من قبل الناشر.