قد تبلغ حماقة الإنسان آفاقاً يصعب تخيّلها، الأمر الذي قد يجعله يرتكب أعمالاً قد يَعجَب منها بنفسه و هي من صنيعه و لكن كيف له ذلك؟ إذ أنّه يرفض النّظر في مرآة نفسه متخذّا ما طاب له من الحجج الواهية مثل أن غيري يصنع هذا فلم لا أصنعه؟ هكذا يقنع نفسه مسكتا ضميره مطالبا إياه أن يعود إلى سباته العميق (الأمر الذي قد يفعله كثيرا منا على الأرجح) Someday You’ll Return هي لعبة تروي لنا قصة حماقة أو ربما حماقات، عن كيف يمكن للإنسان ألاّ يدرك قيمة ما يملك مهما كان ثمنه قبل أن يفقده تماماً، و حين حدوث ذلك سيكون عليه أن يفعل المستحيل لاستعادته، و في خضمّ هذا الأمر سيدرك لم فقد ما فقده و يرفع الستار رويداً رويداً لتبدأ الصورة الكاملة عن صنيع عمله بالاتضاح أكثر فأكثر لينظر إلى كلّ ما اقترفت يداه.
لنبدأ بالحديث عن ما هيّة هذه الرحلة التي سنخوضها عبر شخصية دانييل للبحث عن ابنته التي فُقدت في غابة ذات ماضٍ يجمع بينهما وفي حين أننا لا نعرف كثيرا عن هذا الشخص باستثناء طباعه الحادّة ولسانه السّليط إلاّ أنه على قدر من المسؤوليّة كأب بحيث يذهب وحده و دون الاتصال بالشرطة لكي يقوم بمهمة البحث المحفوفة بالمخاطر هذه (هااااه… متى سيتعلم هؤلاء الحمقى؟) وكما هو متوقع فما إن يصل بطلنا إلى وجهته المنشودة حتى تبدأ الأحداث الغريبة و المجنونة بالوقوع تباعا ابتداء من الشخصيات الغريبة التي سيقابلها دانييل في الغابة مرورا بوحش غريب المظهر يسكن الغابة محاولا قتله وصولاً إلى الظواهر الخارقة للطبيعة التي تحدث في الغابة انتهاءً بالكيانات الغامضة التي لا يختلف هدفها عن الوحش الغريب، و سيكون على دانييل مواجهة هذا كله في سبيل العثور على ابنته ومواجهة ماضيه (لا زلت أظن الشرطة كانت خياراً جيداً).
إن كنت سأتحدث عن قصة اللّعبة فعلي القول أنّني سبق وشاهدتها مرات عديدة في قوالب مختلفة، الحبكة و الشخصيات بدت مألوفة كثيرا بالنسبة لي و أعني بذلك أنّ أيّ شخصٍ يمتلك خبرة بسيطة في ألعاب الرعب يمكنه توقع الكثير من المجريات و الأحداث، وإن لم يكن هذا كافيا فالقصة تمنحك شعورا في كثيرٍ من الأحيان أنها تستخف بعقلك بشكلٍ مبالغ فيه، حيث كانت هناك العديد من التلميحات الواضحة جدا لما يفترض أن يكون أحداثا غير متوقعة تقود إلى الحبكة أو “التويست” و للأسف فالشخصيات لم تتمكن من تحسين هذه الصورة أبداً إذ لم يثر أيٌّ منهم اهتمامي على أيّ صعيد بتاتاً إضافة إلى أنّ الحوارات فيما بينهم بدت باهتة وغير مشوقة إطلاقا ليس على صعيد الكتابة فحسب فالتمثيل الصوتي بدا باردا جدا وخاليا من أيّ حياة ليجعلك تتفاعل بشكل فعلي مع أحداث القصة وما زاد الطين بلة هو تواجد تداخل مزعجٍ جدا في معظم الحوارات بين الشخصيات أو حتى بين دانييل أثناء محادثته لنفسه مما أثار غيظي بشدة إذ كانت سبباً في تفويتي للعديد من الحوارات و إن لم تكن بتلك الأهمية.
Someday You’ll Return لا تمتلك نظام لعبٍ صعب الاستيعاب أبداً ففي حين أنها لعبة رعب بالمنظور الأول إلا أنها تتبع بشكل أكبر نظام ألعاب محاكاة المشي أو Walking Simulator فسوف تقضي كثيرا من وقتك تقوم بالتجوال في عالم اللعبة شبه المفتوح وعلي القول هنا أن الفريق قد وُفّق كثيرا في توظيف عالم اللعبة حيث قام باستخدام نظام علامات المشي التشيكية الذي سيكون خير عون لك في التنقل داخل الغابة الواسعة جنبا إلى جنب مع نظام الخرائط على هاتفك النقال، و لحسن الحظ فإنّ منظر اللعبة يبدو جميلا و أخّاذاً إضافة إلى تواجد بعض الألحان العذبة فيه بين الحين و الآخر لذا لم أمانع كثيرا من إمضاء الوقت في قطع المسافات الطويلة داخلها وإن كانت هناك بعض اللّحظات الضبابية المزعجة التي ستخيم على الأجواء بشكل عام لكنّ اللّعبة تمتلك كذلك بعض القوائم الجميلة في الملفات و المذكرات التي ستحصل عليها أثناء تقدّمك و بذكر هذا فاللعبة تمتلك بعض التجميعات التي تتراوح ما بين الهامة كالمذكرات التي سبق وذكرتها قبل قليل وبين عديمة القيمة كأوراق العلكة الموزعة في أنحاء عالمها على سبيل المثال، لأختم الحديث عن اللّعبة تقنيا فقد واجهتني بعض الأخطاء التقنية كالمرة التي علقت فيها بمكان ضيق دون قدرتي على الحركة بتاتا أو المرة التي أغلق فيها طريق العودة عند قيامي بإعادة الحفظ مما اضطرني للعودة إلى ملف حفظٍ أقدم بعض الشيء.
اللّعبة تسعى إلى تقديم التنوع فيها حيث سيكون عليكم القيام بعدة أمور مختلفة لكسر الرتم و ذلك بحل بعض الألغاز التي لا تحتوي شيئا مميزا فيها حقا لكنها ليست بالسيئة كذلك ستقوم بدفع بعض الأشياء للوصول لمنطقة معينة أو فك شفرة باستخدام بعض التلميحات وغيرها من الأمور التقليدية، إضافة إلى نظام التّسلّق للوصول للأماكن المرتفعة وهو نظام بسيط لا يعتمد إلا على اختيارك لموضع يدك المناسب في الصخور البارزة إلا أنه يؤدي المطلوب منه، و لكن إن كنت سأمتدح أمرا في أساليب التنوع هذه فلعله يكون نظام العدة و صناعة الجرعات في اللعبة ففي حين أنّ الأوّل يقدّم معه مجموعة من الأدوات المتعددة لاستعمالها لمساعدتك في تجاوز بعض الأماكن فإنّ الثاني يقدّم لك عدّة وصفات لدمج أنواع مختلفة من النباتات الموجودة في الغابة للحصول على جرعات ستساعدك في رحلتك بطرقٍ مختلفة، هناك عناصر أخرى جيدة مثل استخدام الطوطم لإبعاد كيانات الغابة الغامضة و إزاحة الصخور أو التوازن أثناء المشي على الأجسام غير المستقرة و جميعها عناصر ساعدت في تحسين رتم اللّعبة إلا أنها ويا للأسف لم تجنّبها من الدّخول في دائرة الملل، و سنتعرف على السبب بعد قليل.
عمر اللعبة طويل نسبيا حيث قد تأخذ ما يقارب 11 ساعة لإنهائها وقد تأخذ وقتاً أطول إن أردت العثور على كافة التجميعات داخلها أو إذا أردت الحصول على جميع النهايات داخلها، نعم اللعبة تحتوي نهايات عدة لكنها لم تطبق بشكل عملي إذ عليك أن القيام بإعادة جزئيات طويلة من اللعبة إضافة لبعض التجميعات الإضافية للحصول على النهايات المختلفة و الواقع أن النهايات بشكل بمجمل لم تكن تشعرني بأيّ نوع من الرضا سواء كانت السّيئة أم الجيدة، العمر الطويل للعبة لم ينعكس بالإيجاب أبدا عليها و ربما علي القول أنه كان ذا تأثيرٍ سلبي فقد شعرت أنّ الرحلة كانت أطول من اللازم إذ وجدت نفسي أقوم بتكرار العديد من الأمور داخلها و أعيد مشاهدة العديد من المواقف داخلها بحوارات مختلفة فحسب! في نهاية المطاف لا يمكنني القول أنني لم أجد أيّ جوانب ممتعة فيها لكن لا يسعني إخفاء شعوري بالضجر كذلك في العديد من الأوقات داخلها، Someday You’ll Return هي لعبة تمتلك ما يميزها بلا شك و هي تحمل معها رسالة إنسانية هادفة، إلا أن العناصر الأساسية التي ارتكزت عليها قد عانت من سوء التطبيق وانعدام الجاذبية مما حاد بينها وبين وصولها إلى مستوى اللعبة الجيدة، لذا لا أظن أنها تجربة قد أرغب بالعودة إليها يوما ما.
(تمت مراجعة اللعبة بنسخة حصلنا عليها من الناشر)