إنّ أحلامنا هي عالم غريب بلا شك، و قد تحمل في طيات غرابتها العديد من المعاني الخفية و الرسائل المبهمة التي قد نجهلها أنفسنا، أعني… لم قد يقوم جاك كراوزر بذراعه المتحولة بملاحقتي في وضح النهار و في الحي الذي أسكن فيه؟! كيف يمكن أن يكون لهذا الحلم أيّ معنى؟ احم… المعذرة، لم آتي هنا للثرثرة عن أحلامي الغريبة بل للحديث عن بطل قصتنا لليوم و هو الفتى “ليود” الذي أصبح مدركا لحقيقة أنّه يحلم و لكن لسوء حظه فإن أحلامه تستحيل كوابيس فظيعة و هو غير قادر على الإفلات منها أو إيقافها! هكذا و قد أُغلق باب الهرب في وجهه فلم يعد أمامه من مناص سوى مواجهة جميع مخاوفه فيها، فهل سيخرج سالما من هذه المواجهة الخطيرة؟ أم أنّ كوابيسه ستظل تلاحقه إلى الأبد؟

لأكون صادقا فأنا لا أملك خلفية ثابتة عن القصة إطلاقاً فاللعبة تبدأ بطريقة مبهمة كليا بلا أيّ مقدمات أي أنها تتبع أسلوب السرد عن طريق عالمها لا غير و الواقع أنّها ليست أول من يفعل ذلك فقد سبق لنا خوض غمار ألعاب مشابهة مثل Inside على سبيل المثال لا الحصر لكن السؤال هو: هل طبقت Darq هذا الطرح بالشكل الصحيح؟ اختصاراً… نعم! عالم اللعبة رائع بحق و يمنحك شعورا قويا بأنّ اللّعبة ترغب بإخبارك أمرا ما من خلاله ابتداءً من أجوائه الموحشة و أفكاره الغريبة وصولا إلى مخلوقاته المخيفة، حتى الأدوات التي ستستعملها خلال رحلتك لا تقل غرابة فمثلا من يستخدم ساعة يد لصنع جسر كي تعبر به إلى الطرف الآخر؟ أو ساقا مبتورة كي تقوم بجعل المصعد يعمل من جديد؟ سأدع تخيل بقية الأمور لمخيلتكم و لكن أظن الفكرة قد وصلتكم بالمجمل، هكذا يقدّم لنا العالم الكثير من التلميحات المختلفة لجعلنا نتخيل القصة بطريقتنا الخاصة: هل كلّ هذا محض كابوس طويل حقاً؟ هل كان “لويد” يحلم أنه يذهب إلى الفراش كل ليلة ليدخل إلى ذلك العالم المريع ظانا أنّه يحلم؟ أعني… لقد سبق لي الدخول في حلم مشابه نوعا ما حين أصبت بالحمّى في صغري بالرغم من أني لا أذكر تفاصيله كثيراً إلا أنّه يجعلني موقنا بعدم استحالة هذه النظرية! أم أنّ الفتى تعرّض لحادث مريع تركه على شفير الموت و ما يمر به ليس سوى تجربة الدنو من الموت أو كما تعرف بـ (NDE) و هو يستذكر فترات مختلفة من حياته بصورة بشعة؟ و لكن مهلا… لم لا يكون الكاتب محض شخصٍ كسول لم يرد إزعاج نفسه بكتابة قصة فعلية لذا ترك على عاتق اللاعبين تخيلها كيفما يشاؤون فحسب؟! أعني… أنا لا أريد توجيه أيّ اتّهام لكنّه لا يبدو أمراً مستحيل الحدوث، بصرف النظر عمّا قد تكون القصة التي فكرت بها فلا يمكن الإنكار أنّ عالم اللعبة مثير بحق و قد تمّ وضع مجهودٍ ليس بالهيّن أبدا في صناعته! لكن دعونا لا ننسى أننا نتحدث عن “لعبة” في نهاية المطاف و العالم وحده لن يكون كفيلا لخوض التجربة، نعم يا سادة حان وقت الحديث عن نظام اللّعب!

Darq هي لعبة ألغاز في المقام الأول و رعب في المقام الثاني و سيتحتّم عليكم حلّ العديد من الأحاجي إن أردتم التقدّم فيها و في بعض الأحيان الهرب و الاختباء من الوحوش داخلها و لنستهل حديثنا عن الألغاز هنا و علي القول أنّ اللّعبة قد فاقت توقعاتي في هذا الجانب! الألغاز هنا رائعة و موزونة بشكل مثالي فهي ليست سهلة لدرجة تشعرك بالضجر و ليست صعبة لحد إصابتك بالبكاء، ناهيك عن أنها متنوعة بشكل كبير في أفكارها و مضمونها فبعضها سيعتمد على قوة ذاكرتك و سرعة بديهتك و الآخر سيتطلب منك الكثير من التركيز وفي بعض الأحيان جميع ما ذكر! التنقل في عالم اللّعبة وحده ذكي جداً و قد تم توظيفه بشكل متقن حيث أن “ليود” يمتلك القدرة على المشي على الحوائط و الأسقف و تغيير معالم البيئة المحيطة في بعض الأحيان! (إنها أحلامه و قواعده لذا لا تسألوا رجاءً) و هذه القدرات ستلعب دورا لا بأس به في الهرب و الاختباء من الوحوش في داخل اللّعبة و هو ما سنتناوله تاليا و الحقيقة أنّه لا وجود للكثير ممّا يمكن الحديث عنه فهذه الجزئية هامشية بعض الشيء و لاتشكل جزءاً كبيرا من اللّعبة إلاّ أنّها متواجدة على أيّ حال و علينا الحديث عنها، هناك نوعان لا غير من طرق الاختباء هنا: الأولى هي الاختباء و انتظار ابتعاد مرمى بصر الوحش عنك، و الثانية هي الاقتراب بكل هدوء منهم و عدم اصدار أي ضجة أو سيفتكون بك، و في حين أنّني لا أملك أي إشكالية مع الطريقة الثانية إلاّ أنّ الأولى بدت مضجرة بالنسبة إلي حيث أنّ الوحوش بطيئون و سيأخذون وقتهم في المشي قبل الابتعاد لتتمكّن من العبور دون أن يلاحظوك و لحسن الحظ فهذه الجزئية لم تحدث كثيرا إلاّ أنّها أزعجتني بما فيه الكفاية كي أذكرها كسلبية و هو أمر يستحق التقدير على ما أظن، جزئيات الهرب هنا هي التي تشغل الحيّز الأقل من بين الجميع و لن أتحدث عنها نظرا أنّه بالكاد يوجد ما يمكن الحديث عنه إلاّ أنّها كانت مسلية و قد استمتعت بها كثيرا.

الحديث عن ألحان اللعبة لن يطول كثيرا إذ أنّها بالكاد تمتلك أيّا منها، فباستثناء اللّحن الذي ستسمعه ما إن تبدأها أو لحن النهاية فلا وجود لأي مقطوعاتٍ فعلية و الواقع أنّ هذا الأمر لم يزعجني بتاتا بل أراه خيارا موفقا من قبل المطورين فقد منح هذا الأمر العالم طابعا قاتما أكثر كما أنها ساهمت في جعل اصطدامك بالوحوش داخل عالم اللعبة تجربة أكثر رعبا حيث أنه و بعد مصادفتك لهم أو مهاجمتهم لك ستتفعل مجموعة من المؤثرات الصوتية عالية الحدة التي ستصيبك بالكثير من الاضطراب و التوتر بعد ذلك السكون المميت، و قد يربط البعض هذا النوع من الرعب بالاسم الشهير Jump Scares و هو أمر لا أمانعه شخصيا فبالرغم من أني لا أعدّه نوعي المفضّل من الرعب إلاّ أنّني أعتقد أنّه قد قًدّم بشكل ممتاز هنا لذا لا أملك أيّ اعتراضات على الإطلاق.

نهاية فإن نسخة complete edition تحتوي على مرحلتين إضافيّتين هما The Tower و The Crypt و لكل منهما أفكارهما الخاصة و أجواءه الفريدة التي يمتازان بها، و بالرغم من ذلك فهذه اللعبة قصيرة جداً، إذ يمكنك إنهاؤها في غضون ثلاث ساعات فحسب! قد تأخذ وقتا أطول إن أردت جمع المخطوطات المخفية داخل المراحل إلا أنّ هذا الأمر لن يرفع القيمة العمرية للعبة بشكل يذكر و الواقع أنني تريثت قبل الحديث عن هذا الأمر كسلبية، أعني أنّ هناك من يرى العمر القصير بمنظور إيجابي و هو أمر غير مستغرب لمن يود الحصول على تجربة سريعة غير مستهلكة للوقت و لكن في نهاية المطاف فالسعر الرسمي لهذه اللعبة هو 20$ و قد ترغب بانتظار تخفيض حتى يتنسى لك الحصول عليها بسعر أفضل، لكن السؤال الأهم يبقى: هل هذه اللعبة تستحق التجربة؟ حسنً، إن كنت تبحث عن تجربة مشابهة لألعاب مثل Limbo و Inside و Little Nightmares في الجوهر لكنها تحمل أفكارها الخاصة و المتفردة بها و التي تضمن لها الوقوف بثبات بين هذه التجارب الفذة فهي تستحق بلا أدنى شك!  Darq هي تجربة فريدة و رائعة حتماً، لكنها أشبه بتناول قرطاس من المثلجات في يوم صيفي حار فسرعان ما تنهيها لترغب بالحصول على المزيد منها لكنك مع كل الأسف لا تستطيع، و لكن قد يكون هذا جزءاً من سحرها أيضا.

تمّت مراجعة اللّعبة بنسخة السويتش التي تمّ توفيرها من قبل ناشر اللّعبة.