لم يسبق إصدار Disco Elysium عام 2019 أي نوع من الضجيج أو الزخم الإعلامي ولكنّ اللعبة عوّضت عن ذلك بجودتها التي كانت سبباً في الإنطباعات الإعلامية الإيجابية جداً ممّا لفت أنظار اللاعبين إلى هذه التجربة التي فازت بالعديد من الجوائز في حفل توزيع الجوائز السنوي The Game Awards كما حظيت بالعديد من الجوائز في احتفالات أخرى، اللعبة حصلت مؤخراً على نسخة The Final Cut والتي تقدّم العديد من الإضافات والتحسينات إلى التجربة التي حصلنا على الفرصة لمراجعتها ومشاركتكم بانطباعنا عنها.
بينما يطفو وعيك في ظلام ٍدامس، تسمع صوتاً غريباً يقطع الصمت الطويل ليطلب منك إكمال سباتكم، يبدأ ذلك الصوت بخوض حواره الطويل محاولاً منعك من العودة إلى العالم ليدخل معك في جدال حول أهمية الحياة وقيمتها لينتهي الأمر باستيقظاك في غرفة فندقٍ كئيبة وفوضوية، من أنت؟ مالذي تفعله هنا؟ هذه الأسئلة التي تطرح ولكنّك لا تعرف الإجابة، Disco Elysium لا تحاول شدّ إنتباهكم بشكل تدريجي وبطيء، بل تفاجئكم بجميع هذه التساؤلات وأكثر منذ البداية فأنتم تلعبون دور المحقّق الذي قام بتعاطي المخدّرات وشرب المسكرات لدرجة أنّه لم ينسى اسمه فقط بل نسي كل ما كان يعرفه عن العالم من حوله! ممّا يضيف سؤالاً أخر، لماذا فعل ذلك؟ لماذا يحاول تدمير نفسه؟
الأحدث تدور في القسم الغربي من مدينة Revachol، تلك المدينة التعيسة التي خسرت مكانتها بعد الفشل الذريع للثورة العالمية، ما يجلبكم إلى هذه المدينة المتهالكة هو توّليكم لمهمة التحقيق في جريمة شنق أحد الحرّاس خلف نفس الفندق الذي تستيقظون فيه وستقومون بالتحقيق في هذه الجريمة برفقة المحقّق Kim Kitsurage من القسم 57 ولكن لا تتوقعوا أن تكون القضية سهلة فسكّان المدينة لا يحبّون رجال الشرطة والأوضاع في المدينة مشحونة مع إضراب إتحاد العمّال عن العمل بينما البعض يرغب بالعودة إلى وظيفته وكلّما نظرتم أكثر إلى هذه القضية أدركتكم الورطة التي وقعتم فيها.
القصة مشوّقة للغاية والغموض يحفّها من جميع الإتجاهات ونحن لا نتحدّث عن القضية فقط فقصة اللعبة مكوّنة من عدّة طبقات والقضية التي تحلّونها مجرّد طبقة من تلك الطبقات ومن الواضح أن جهداً مضنياً قد بُذل في كتابة القصة فقد تمّ بناء تاريخ طويل ومليء بالتفاصيل حول عالم اللعبة والذي يشمل الثورة التي شهدها والحروب التي تبعتها والخسائر الفادحة التي تلت ذلك على المدى القصير والبعيد، هنالك أيضاً التوجّهات السياسية التي تتبعها بعض الشخصيات والفلسفات التي تؤمن بها شخصيات أخرى وكل هذا يقود لحصولنا على خليط متجانس يجعل من عالم اللعبة أكثر إثارة للإهتمام مع كل معلومة تكسبونها عنه ولا ننسى العديد من المفاجآت والتطوّرات الغير متوقّعة للقضية والتي تبقي الأحداث مشوّقة مع بعض التفاعلات المضحكة والساخرة ما بينكم وبين المحقّق Kitsurage في بعض المواقف.
اللعبة تمتاز بطراز فنّي فريد وألوان تضيف نوعاً من التنويع والحيوية مع الإبقاء على الطابع الكئيب لمدينة Revachol، الجميل أيضاً هو طريقة تصوير الشخصيات التي تتحدّثون معها برسمة فنيّة خاصةّ بها والتي تعطيكم إنطباعاً مسبقاً عن تلك الشخصيات فبعض الرسمات تشعركم بأنّ الشخصية مضطربة أو مجنونة وربّما لا مبالية وستشعرون فعلياً بأنّكم تنظرون إلى لوحة فنية وليس لعبة فيديو، بالنسبة للجانب المسموع فاللعبة تقدّم ألحان الديسكو التي ترافقكم لنسبة كبيرة من الوقت ولكنّها تقوم بتقديم عدد من الألحان الأخرى بالاعتماد على الموقف ويمكن القول أنّ هذه الألحان تؤدّي غرضها لا أكثر.
يتم وصف Disco Elysium على أنّها لعبة أر بي جي وتحقيقات ولكنّنا نفضّل وصفها على أنّها لعبة أشر وانقر مع عناصر ألعاب الأر بي جي والسبب هو كون تجربة اللعبة تتشكّل في أغلبها من الحوارات مع الحاجة إلى التنقّل والإستكشاف أيضاً، المهمات التي ستحصلون عليها سيتم حلّها من خلال الحديث مع الشخصيات المناسبة ومعرفة التفاصيل المناسبة منها وتحتاجون في بعض الأحيان إلى جمع وإيجاد بعض المستلزمات وربّما التفاعل معها، بداية التجربة ستختارون نوع شخصيتكم ما بين النوع المفكّر، الحسّاس أو البدني وكل نوع من هذه الأنواع يملك صفاته المميّزة بادئ الأمر والتي تعطيه الأفضلية في جوانب معيّنة فالحسّاس قادر على فهم عواطف وأحاسيس الشخصيات الأخرى ويمكنه شق طريقه إلى الإيجابة من هنا بينما البدني يمكن أن يبرحك ضرباً لاستخراج الإجابة.
على عكس العديد من ألعاب الأر بي جي فأنتم لا تقومون بتطوير نقاط الحياة والمرونة ونحوها من الأمور بل تقومون بتطوير حس المنطقة لديكم أو القدرة على فرض سلطتكم ونحوها من الأفكار الجديدة التي تمّ توظيفها بشكل ذكي يناسب طبيعة اللعبة كما يمكنكم إرتداء أزياء مختلفة والتي تقوم بالزيادة من قدراتكم في بعض الجوانب وهنالك أيضاً القدرة على تطوير أفكار معينة تعطيكم زيادة دائمة في بعض القدرات ولكنّكم لا تعرفون مالقدرات التي سيتم تطويرها عند تطويركم لتلك الأفكار.
كما ذكرنا فغالبية التجربة ستقضونها في الحوارات مع الشخصيات ولا يمكننا تذكّر أخر تجربة إستمتعنا فيها بالحوارات بهذا الشكل! هنالك عمق مدهش للشخصيات وكل شخصية ستتحدّثون معها ستجدون ما يميّزها عن غيرها من أفكار ومعتقدات ونحوها من التفاصيل فالبعض أحمق وقد يكون بذيء وبسيط في كلامه بينما البعض الأخر لبق وشاعري في إنتقاء الجمل والأقوال والجميل في اللعبة هو الحرية الكبيرة التي تقدّمها في خوض تلك الحوارات فهي ليست وسيلة لحل القضية فقط بل وسيلة لمعرفة المزيد عن عالم اللعبة فالشخصيات قد تذكر أي حدث تاريخي أو تقوم بضرب أي مثل شعبي في أي حوار كما أنّها قد تقوم بالتصريح بأحد معتقداتها أو أفكارها وهنا تترك لكم اللعبة خيار السؤال عن معنى ذلك المثل أو طلب إطلاعكم على تفاصيل ذلك الحدث كما تترك لكم الخيار بالتغاضي عمّا ذُكر أو حتى التصرّف كأنّكم تعرفون مالذي يتم الحديث عنه وفي حال راودكم الفضول في أي وقت فبإمكانكم العودة للحديث مع نفس الشخصية والسؤال للحصول على الإجابات.
جزء من هوية شخصية المحقّق هي أسلوبه الغريب في التحقيق وقدراته الغير مسبوقة والحديث هنا عن الحوارات التي تدور في رأسكم فعند الحديث مع شخصية معيّنة قد يبدأ حديث أخر ما بين قدرتكم على فرض السلطة والتي تخبركم بأنّ الشخص الواقف أمامكم لا يعطي الإحترام المطلوب لرجال الشرطة ويجب أن تفرضوا سلطتكم عليه لتوافق قدرتكم على الملاحظة مع القدرة على فرضة السلطة مشيرة إلى بعض تصرّفات الشخصية التي تعكس ذلك لتسمعوا قدرتكم الجسدية وهي تقترح عليكم ضرب المتحَدّثِ معه ليعرف من الزعيم وهنالك العديد من الحوارات المشابهة والمثيرة للإهتمام التي ستمر عليكم والتي تجعلكم تفكّرون بشكل أعمق غير إختيار أسلوب معيّن في معالجة المشاكل.
هنالك العديد من الحوارات التي ستتطلّب منكم إمتلاك مستوى معيّن من القدرات لإتمامها ومستواكم في القدرة المطلوبة سيحدّد إحتمالية نجاحكم وهنا سيتوجّب عليكم تطوير القدرة المطلوبة أو إرتداء الملابس التي ترفع من تلك القدرة وهنالك حوارات يمكنكم العودة لمحاولة إتمامها بعد قيامكم بتطوير القدرة المطلوبة بالشكل الكافي وهنالك حوارات أخرى لن تتمكنوا من تجربتها سوى مرّة واحدة فقط ويجب أن تكونوا حذرين قبل الإقدام على ذلك ولكنّ اللعبة لا تجبركم على سلوك طريق معيّن بشكل عام والمهمات التي قد تجبركم على إتخاذ قرار واحد لا غير هي مهمات جانبية في الغالب.
نسخة الـFinal Cut تضيف للعبة تمثيلاً صوتياً كاملاً لجميع الشخصيات وهي إضافة مهمة جداً وتعطي عمقاً إضافياً للشخصيات بإعطائها لهجتها الخاصة وأسلوبها الخاص بالحديث فالبعض هادئ جداً ويتحدّث على مهله والبعض الأخر يتحدّث بعصبية أو همجية وقد كان التمثيل الصوتي متقناً ورائعاً بحق، هذه النسخة من اللعبة تقوم أيضاً بإضافة المزيد من المهمات الجانبية التي تركّز على الرؤى السياسية المختلفة كما يتم تقديم طور Hardcore وهو طور صعوبة يجعل من قراراتكم ومحاولاتكم نهائية فلا يمكنكم رفض مهمة معينة ومن ثمّ العودة لقبولها من نفس الشخصية على سبيل المثال كما أنّ بعض القرارات قد تكون مصيرية في هذه الحالة.
أخر ما يجب الحديث عنه هو جمالية الكتابة في Disco Elysium، هنالك شاعرية وإنتقائية رائعة للجمل والمصطلحات خاصةً في الحوارات التي تدور داخل رأسكم ولكنّ هذا يعني تطلّب اللعبة إلى مستوى عالي من إتقان اللغة الإنجليزية والمعرفة المتوسطة بها لن تكون كافية خاصةً وأنّ هنالك بعض المصطلحات العلمية التي يتم إستخدامها في الكثير من الأحيان ومن المؤسف أنّ اللعبة لا تقدّم ترجمة عربية للنصوص في الوقت الحالي. إنهاء التجربة تطلّب 22 ساعة قمنا خلالها بإنجاز بعض المهمات الجانبية والمحتوى الذي تقدّمه اللعبة ممتاز وقد يتطلّب منكم إنهاء جميع المهمات حوالي 35 ساعة أو أكثر، Disco Elysium هي تجربة رائعة موجهة خصيصاً لمحبّي القصص والتحريّات فهي تقدّم قصة على مستوى رفيع من الكتابة مع حوارات ممتعة وعميقة بشكل غير مسبوق مع العديد من المفاجآت والتعقيدات الغير متوقّعة ممّا يجعلها واحدة من أفضل التجارب القصصية التي قمنا بتجربتها على الإطلاق.
تمّ مراجعة هذه اللعبة بنسخة للحاسب الشخصي تمّ توفيرها من قبل الناشر.