ترمي شركة Nvidia بكل ثقلها على تقنية تتبع الشعاع Ray Tracing، التي ترى فيها الشركة حجرًا أساسيًا لرسوم ألعاب الفيديو في المستقبل، وقمة تكنولوجيا الرسم بالحاسوب. جهود الشركة تمتد ليس فقط إلى البحث في التقنية و العمل على العتاد و الخوارزميات الملائمة لها، ولكن أيضًا، تدشينها في الألعاب القديمة لتحصل على حياةٍ جديدة! آخر الأمثلة على ذلك هي لعبة الألغاز العبقرية Portal، والتي تحصل على تحديث مجاني يُضيف التقنية في الثامن من ديسمبر. من جهتنا، وضعنا اللعبة تحت المجهر وقمنا بمعاينتها مع بطاقة الرسوم القوية RTX 4080.
عليك أن تُدرك عزيزي القارىء أن هذا ليس بالأمر الهين على الإطلاق، في البداية، هذا التدشين هو Path Tracing وليس مُجرد تدشين محدود كما هو الحال في الكثير من الألعاب الأخرى، أي أن كل إضاءة اللعبة تعتمد بالكامل على تتبع الأشعة، من انعكاسات، وظلال، وإضاءة منتشرة من مصادر الضوء الصناعي، وارتدادات، وغير ذلك! ليس هذا فحسب، بل هذا هو التطبيق الأكثر تقدمًا للتقنية حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، فإن علينا أن نُدرك مدى تقدم التكنولوجيا وسرعته! بالأمس فقط كانت البطاقات الرسومية تعاني لتشغيل ألعاب بدائية رسوميًا تستعمل Path Tracing بدقة 4K، والآن مع قدرات الجيل الجديد من بطاقات نفيديا بمعمارية Ada Lovelace و خاصية DLSS 3، فإن لعبة من الجيل السابع (البلايستيشن3 والإكس بوكس360)، باتت قابلة للعب بدقة 4k مع الاعتماد الكامل على تتبع الشعاع للإضاءة، هذا مدهشٌ حقًا وليس بوسعنا سوى أن نتخيل إلى أين ستصل التقنية في السنوات القليلة القادمة.
النقطة الأخرى المدهشة هي الكيفية التي تم فيها تطوير هذه النسخة من NVIDIA Lightspeed Studios، إذ جرى تحديث كافة الأصول الرسومية للعبة بأصول أعلى دقة و جودة عن طريق برمجية Omniverse وباستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي عن طريق أدوات Nvidia RTX Remix المبنية على هذه المنصة، إذ تعمل البيانات الجديدة للعبة عن طريق محرك عرض 64-bit Vulkan، ومن ثم حصلت اللعبة على إكسير الحياة الجديد الذي سيبعثها من الرماد: تتبع الأشعة، نعم شعوري عند تشغيل اللعبة للمرة الأولى كان الانبهار هو الشعور السائد ولا شيء غير ذلك، الإضاءة بمفردها كانت كفيلة بتغيير مظهر هذه اللعبة بالكامل! ألا تصدق ذلك؟ حسنًا انظر إلى صور المقارنة التالية إذن:
الصورة الأولى من اللعبة الأصلية تعاني من كافة المشاكل التقليدية والتاريخية لتقنية الرسم بالتنقيط، والتي تعني أن الرسومات التي تظهر أمام الكاميرا أو اللاعب هي فقط ما يتواجد، ليس هناك أي معلومات رسومية حول المشهد خلف الكاميرا ولهذا السبب لا يمكن أن تظهر انعكاسات لمجسمات لا يراها اللاعب على الشاشة، ولا تستطيع الأجسام المضيئة أن تنقل إضاءتها إلى البيئة المحيطة سوى بتقنيات تقريبية غير دقيقة وغير مستخدمة في هذه اللعبة من الأساس. مع تتبع الأشعة يختلف كل هذا كليًا وكأن اللعبة حصلت على ريماستر كامل: الإضاءة الزرقاء على الجدران تنتشر إلى الخامات المحيطة، الإضاءة القادمة من الخارج تُنير أجزاء مختلفة من الغرفة بحسب ارتداد الضوء، المشهد اختلف بالكامل.
دعونا نتحدث أولًا عن الأداء باستعمال بطاقة الرسوم RTX 4080. قمنا بتفعيل أعلى ملف إعدادات في اللعبة Ultra مع تفعيل كافة تقنيات تتبع الأشعة وقمنا بتجربة الأداء بدون DLSS و مع DLSS 2 و كذلك مع DLSS 3 وإليكم النتائج بدقة 4K:
تقنية رفع دقة العرض | معدل الإطارات | الإطارات المنخفضة 1% | زمن الاستجابة بالملي ثانية | أقصى عدد ارتدادات للشعاع |
---|---|---|---|---|
لا شيء | 30 | 12 | 128 | 4 |
DLSS 2 Performance | 52 | 32 | 35 | 4 |
DLSS 3 Performance | 75 | 58 | 56 | 4 |
DLSS 3 Performance | 76 | 56 | 52 | 8 |
نود أن نلفت أنظاركم إلى بعض الحقائق المثيرة من هذا الجدول. في البداية، من الواضح أن تقنيات تقليل دقة العرض الحقيقية ومن ثم رفعها بالذكاء الاصطناعي مثل DLSS هي جوهرية للغاية عند تدشين تقنيات تتبع الأشعة للحصول على أداءٍ مقبول، والأكيد أن 30 إطارًا هي نتيجة غير مقبولة بلعبة حاسب شخصي. من ثم، لقد قمنا أيضًا بتسجيل زمن الاستجابة (latency) لأنه يُقدم معلومة في غاية الأهمية حول DLSS 3 (أو Frame Generation كما يُسمى الخيار داخل الألعاب) التي تقوم بزيادة معدل الإطارات أكثر عن طريق توليد إطارات إضافية بين كل إطار و إطار: الأداء مع DLSS 2 بخيار Performance أقل في عدد الإطارات من DLSS 3، ولكن زمن الاستجابة أقل. هل كان الفرق محسوسًا أثناء اللعب؟ لا، ليس من السهل أن يفرق اللاعب بين 30 أو 50 ملي ثانية خلال اللعب.
ولكن الأمر يدعو إلى التفكير وفيما إن كان الأكثر أهمية هو الحصول على معدل إطارات أعلى (وبالتالي تحسين سلاسة الصورة) أو زمن استجابة أقل (وبالتالي تحسين سلاسة التحكم والإحساس باللعبة). على أية حال، أداء اللعبة مع DLSS 3 كان رائعًا وتجاوز 75 إطار، وحتى عندما قمنا بزيادة العدد الأقصى من ارتدادات الضوء (bounces) من 4 ارتدادات إلى ثمانية، لم يتغير الأداء مطلقًا. رغم ذلك، هذه هي أول لعبة نجربها تفشل في كسر حاجز 60 إطارًا على بطاقة RTX 4080 عند استخدام DLSS 2 Performance، حتى Cyberpunk 2077 مع إعداد RT Psycho لا تستطيع فعل ذلك! الأمر كفيل بتذكيركم إلى أي درجة تقنية تتبع الأشعة متطلبة من العتاد.
أعتقد أن هذه اللعبة حتى لحظة كتابة هذه السطور هي أفضل تطبيق لتقنية تتبع الأشعة، وهي تذهب حتى إلى مدىً أبعد مما ذهبت إليه Minecraft وتقوم بتدشين تقنيات جديدة كليًا من Nvidia:
– تقنية NVIDIA RTX Direct Illumination: تسمح بتتبع مصادر الضوء الأساسية عن طريق الشعاع مهما كان عددها من أجل الضوء والظلال.
– تقنية NVIDIA Reservoir Spatio-Temporal Importance Resampling Global Illumination: تعمل على تعزيز الإضاءة المنتشرة غير المباشرة، مثل سقوط أشعة الضوء المرتدة على زاوية معتمة في غرفة وغمرها بالضوء.
– تقنية NVIDIA Real-Time Denoisers: تنقية الصورة من الشوائب الرسومية والضجيج غير المستحب بعد معالجة الصورة بتقنية تتبع الشعاع.
الخامات في اللعبة جرى تنقيحها أيضًا عن طريق تظليلها فيزيائيًا (PBR أو Physically based rendering) وتقديم الأصول الرسومية بهذه الصورة التي تحافظ على صحة و دقة معلومات الصورة و اللون، الصورة التالية توضح أكثر ما الذي نعنيه بالتظليل الفيزيائي:
الخامات يجب أن تتصرف بشكل صحيح من نواحي مثل: قدرتها على امتصاص الضوء، قدرتها على عكس الضوء، قدرتها على تشتيت الضوء في اتجاهات مختلفة، سمكها وكثافتها، صلابتها، شفافيتها، وغير ذلك، إن فنانًا يقوم بتطوير الخامات باستعمال PBR يجب أن يكون قادرًا على توزيع المعلومات الصحيحة للخامات حتى تتعامل مع الضوء بشكل صحيح، وهو أمر هام و جوهري للغاية لتكامل العمل مع تتبع الأشعة، فما فائدة تتبع الأشعة إن كانت الخامات التي ترتطم بها لا تستطيع التعامل مع خواص الضوء الفيزيائية بشكل صحيح؟
بالعودة إلى Portal with RTX يُمكنني أن أقول بثقة أن اللعبة لا تبدو كلعبة جيل سابع أبدًا بل كلعبة جيل جديد بحق على الحاسب الشخصي، الخامات الزجاجية في مختبرات Aperture تعكس البيئة من حولها وشخصية اللاعب تظهر على الخامات العاكسة، الأزرار الحمراء على الأرض تُلقي بموجاتها الضوئية على المكعبات الرمادية لتصبغها بلونها، الإضاءة المتسللة من هنا و هناك تترامى على مرأى الناظر وتنير زوايا الغرف. بالطبع، هي ليست كاملة، وكل هذه التقنيات لمعالجة الصورة تترك عيوبًا و آثارًا بصرية يُمكن للعين الخبيرة أن تلتقطها.
إلا أنها حقًا تحولية، ونعني بهذا أن مظهر اللعبة تحوّل بالكامل إلى شيءٍ آخر مختلف عما كانت عليه في السابق، حتى إن الضوء يتسلل الآن عبر البوابات (Portals) بصورة مدهشة وغير مسبوقة. وبفضل دقة المعلومات الضوئية، فإن اللعبة تسمح للاعب أيضًا بارتداء ثوب المطور بتعديل المعلومات البصرية في اللعبة، إذ كان بمقدورنا أن نتلاعب بمعلومات البيئة والإضاءة (parameters) بكل التفاصيل، وحتى البيئة، عن طريق الضغط على Shift + Insert والتعامل مع القائمة الضخمة، وفيما يتعلق باستهلاك ذاكرة الفيديو (VRAM) فقد أشارت اللعبة إلى أنها تستخدم أكثر بقليل من نصف ذاكرة بطاقتنا الرسومية، وهذا يعني نحو 8 غيغابايت فأكثر.
الآن وصلت تكنولوجيا تتبع الأشعة إلى ألعاب الجيل السابع من الأجهزة المنزلية، والسؤال الذي يدور في أذهاننا: هل سنصل إلى Path Tracing بألعاب معاصرة أقرب مما نتوقع جميعًا؟ الزمن سيجيب على هذا السؤال.