يبدو أن سلسلة Assassin’s Creed في طريقها لتصل إلى دورة الحياة الكاملة التي اعتدنا رؤيتها مع مرور الزمن للعديد من السلاسل التي امتد عمرها لسنواتٍ طويلة، حيث تتحور السلسلة و تتطور مع مرور السنوات، حتى تصبح التغييرات كبيرة جدًا لتحمل شكلًا وهوية جديدة، ومن ثم تأتي لحظة العودة إلى الجذور، إلى ما جعل هذه السلسلة محبوبة في المقام الأول. هذا هو الحال مع اللعبة التي نستعرضها لكم اليوم وهي أساسنز كريد السراب (Mirage) من شركة Ubisoft.
هناك العديد من الأسباب التي تثير حماس اللاعبين في المنطقة العربية لإصدار السراب، ليس فقط لأنها تشهد عودة إلى جذور هذه السلسلة العريقة، وإنما أيضًا لأنها تأتي في حقبة زمنية تمنينا اللعب فيها طويلًا وهي حقبة الدولة العباسية التي كانت تمثل إحدى أكثر المراحل ازدهارًا في تاريخ الحكم الإسلامي، حيث شهدت تطورًا كبيرًا في الثقافة والعلم والفنون. الحقيقة أن القليل وصل إلينا من تلك الحقبة، ولذلك فإن فرصة زيارة هذه المدينة الأعجوبة، حتى في لعبة فيديو، هي جديدة لنا أيضًا كجمهور عربي.
أساسنز كريد وباسم بن إسحاق
بطل اللعبة هو “باسم بن إسحاق” الذي ظهر أولًا في إصدار “فالهالا”، وكان من المخطط أن يحصل على توسعة مستقلة خاصة به، ثم توسع حجم وطموح المشروع ليتحول إلى لعبة كاملة، وهي اللعبة التي تمكنا من تجربتها بالفعل. تجربتنا كانت قاصرة على ثلاث مهمات؛ المهمة الأولى كانت في بداية اللعبة وبداية مغامرة باسم مع صديقته المقربة نهال، أما المهمة الثانية فهي تشهد انضمام باسم لطائفة المستترين، ثم تأتي المهمة الثالثة التي تستهدف التخلص من أحد الأهداف، عن طريق الاغتيال، بالطبع.
باسم بن إسحاق هو لص فقير تتراوده كوابيس غامضة بين الفينة والأخرى، وفي الحقيقة فإن شخصية باسم استوقفتنا قليلًا في بداية التجربة وبدأنا بالتفكير فيما إن كان باسم هو صورة نمطية للشخصية العربية كما تظهر في الميديا الغربية، ذات الصورة النمطية التي جسدها علاء الدين وتناقلها المستشرقون وأثارت الكثير من الجدل عبر السنوات. نعم، لا يمكننا سوى الشعور بأن هناك نوعًا من الاستشراق والتنميط وراء باسم، لكننا نحتفظ بالحكم على الشخصية حتى نعايش تطورها بالكامل، ولعل Ubisoft تتمكن من خلق شخصية يمكن للاعبين في المنطقة أن يكونوا سعداء بها، في نهاية المطاف.
في المهمة الأولى وبداية القصة عام 861، في الأنبار، تعلمنا إحدى المهارات الأساسية التي يمكنكم أن تتوقعوها من لص، وهي مهارة النشل! والتي تطلب من اللاعب أن يضغط زرًا محددًا في التوقيت المناسب حتى تتم العملية بنجاح دون لفت نظر الضحية، كما قمنا بنشل مفتاح والدخول إلى أحد المنازل وأكملنا عملية سطو كاملة بنجاح. لا نستطيع في هذه المرحلة أن نتحدث عن القصة بالتفصيل، وسنترك ذلك للمراجعة النهائية، إلا أن الخيوط تظهر من البداية لتشير إلى مؤامرات ضخمة تحاك في الخفاء وتمتد شباكها لتوقع في براثنها الخليفة بذاته.
المهمة الثانية كانت تدريبية، نرى فيها شخصية باسم كعضو في تنظيم المستترين، ويتدرب تحت قيادة المقاتلة -الفارسية على ما يبدو- روشان، وشهدت هذه المهمة تعلم باسم لمهارة قذف السكين عن بعد، و تجوالنا في مركز التنظيم بتصميمه الطبقي العامودي الذي يختلف كثيرًا بطبيعته عن تصميم بغداد المدورة، التي كانت ساحة لعملية الاغتيال التي سعينا إليها في المهمة الثالثة.
أسماء عربية متعددة شاركت في العمل على Mirage
تجربتنا كانت باللغة العربية ترجمة و أداءً. يلعب الممثل الكبير إياد نصّار، الذي شارك في أعمال مثل “الحجاج” و “أبو جعفر المنصور”، دور باسم. في البداية، شعرنا بأن صوت إياد أكبر عمرًا من باسم، كما كان الأداء جامدًا بعض الشيء مع القليل من المشاعر، ولعل هذا قرار فني بحت، إلا أننا والحق يقال، اعتدنا على صوته مع مرور الوقت. من جهة أخرى، تأتي شخصية نهال صديقة باسم بأداء لمى الصياغ، وعلى العكس من باسم فإن أداءها أكثر عاطفية وتجسيدا للمشاعر، وللحق، فقد راقنا أداؤها خلال تجربتنا القصيرة.
من جهة أخرى، أتت شخصية روشان بأداء الممثلة الأردنية نهى سمارة. نهى ممثلة متمكنة للغاية، إلا أن مشاهد روشان بدت لنا متفاوتة الجودة بعض الشيء، ويعود بعض اللوم في ذلك، في الواقع، إلى نص اللعبة ذاته، أو الترجمة العربية بالأحرى. بعض النصوص تملك ترجمة حرفية لا تجيد اقتباس المعنى الحقيقي أو الأصلي ونقله إلى اللغة العربية بصياغة فريدة، إلا أن الأمر لم يكن سهلًا، حيث واجهت عملية الدبلجة تحديات عديدة كما أخبرنا نواف النغموش، مدير التواصل ليوبي سوفت في الشرق الأوسط. بعض هذه التحديات تمثل على سبيل المثال، في التزام المترجمين بذات الفترة الزمنية التي يستغرقها عرض النص الأصلي، لأسباب تقنية بحتة.
موسيقى اللعبة تلتحف بالطابع العربي
لا يمكن أن تكتمل تجربة أساسنز كريد دون ألبومٍ موسيقي رائع أليس كذلك؟ هكذا يبدو لنا الأمر، فقد أعجبنا الطابع الموسيقي في اللعبة كثيرًا، حيث عمل على الألحان بريندان أنخليدس، بجانب العديد من الأسماء العربية التي تضمنت موزع الموسيقى الفلسطيني أكرم حداد، و ليث صدّيق عازف الكمان الأردني البارع، الذي ولد في العراق الشقيق. الألبوم يحمل الطابع العربي، لا سيما مع استعمال آلات موسيقية عربية أو ارتبطت بالتراث العربي، مثل القانون، والعود.
اللعب و العودة إلى التخفي و الباركور
فيما يتعلق بطريقة اللعب، فإن التركيز كبيرٌ جدًا على التخفي تمامًا كما كان الحال في الأجزاء الأصلية للسلسلة، واغتيال الأهداف، والانسلال وسط الحشود، والركض السريع والتسلق فوق المباني والأسطح. القتال في اللعبة ليس سهلًا، خاصة عندما يحتشد الجند ضد باسم من أجل القضاء عليه، ويعتمد بشكل رئيس على التعامل مع هجمتين للأعداء إما عن طريق الصد، أو عن طريق التفادي للهجمات التي لا يمكن صدها. الخيار الأفضل، بالطبع، هو التسلل و التخلص من الحراس والأعداء بخفاء، وسحب جثثهم و مواراتها عن مرأى الأبصار، بالاستعانة بأدوات باسم ومهاراته، والتي لم تكن متاحة لنا بالكامل خلال تجربتنا. بالطبع، يمكنكم أيضًا الاستفادة من الحشود لشغل الحراس.
نعم طريقة اللعب مختلفة عن الإصدارات الأخيرة أوديسي وفالهالا، وهي تعود بنا إلى جذور سلسلة أساسنز كريد بالشكل الذي أردناه في الحقيقة. لا يجب أن تكون جميع الألعاب من صنف الآربيجي، أليس كذلك؟ باسم يحصل على مهارات جديدة من خلال التقدم في القصة وليس من خلال رفع المستوى. وفيما يتعلق بالاغتيال، فإن هناك فرصًا متعددة للخلاص من الهدف المنشود بطريقة تشابه ألعاب سلسلة Hitman الشهيرة، لكننا نحتاج إلى تجربة النسخة النهائية لنعرف إن كانت هذه المواجهات سترتقي فعلًا إلى التنوع والإبداع الذي يتواجد في ألعاب العميل الأصلع الشهير.
التجربة الأولية واعدة، نحن نتطلع ليس فقط إلى المزيد من اللعب والمزيد من الحيل بجعبة بطلنا باسم، ولكننا نتطلع أيضًا إلى المحتوى الثقافي الغني الذي تعد اللعبة بتقديمه من خلال الملفات، والذي سيتناول كافة جوانب الدولة العباسية وبغداد المدورة في عصرها الذهبي من اقتصاد وعلم وسياسة، بالإضافة إلى تلهفنا لزيارة معالم تاريخية مثل بيت الحكمة، والالتقاء مع الشخصيات التاريخية التي تتواجد في اللعبة من تلك الحقبة.
واعدة مع بعض المخاوف
هناك مخاوف، نحتفظ بها تجاه حجم اللعبة النهائية وطموحها، ونجاحها في تجسيد الحقبة الزمنية بلغتنا العربية الجميلة، و تجاه قدرتها على تنويع اللعب من البداية إلى النهاية. هناك مخاوف أخرى أيضًا تتمثل في الجانب التقني الذي عانى معنا قليلًا من بعض التقطيع والتجمد في الصورة على الحاسب الشخصي، علمًا أن اللعبة ستحصل على تحديث من اليوم الأول. أما الضبابية التي لاحظناها في الصورة، فنعتقد أنها من آثار عملية تدشين حلول تنعيم الحواف، ونؤمن أنها ستختفي عند وصول الإصدار النهائي. مغامرة باسم تنتظرنا، و ما زلنا نحمل من التطلعات للعبة، الشيءَ الكثير.