كان من المقرر أن تحصل لعبة Assassin’s Creed فالهالا على محتوً إضافي من بطولة باسم بن إسحاق، إلا أن المشروع راق لمصممي يوبي سوفت على ما يبدو، ليتحول إلى لعبة كاملة هي اللعبة التي نراجعها اليوم Assassin’s Creed السراب. اللعبة التي ينتظرها الجمهور العربي خصوصًا بشغف شديد، فهي أولًا تجسد الحضارة العباسية العربية والتي لم تحصل على حقها من التمثيل في الألعاب رغم كثرة ألعاب الفيديو التي اقتبست حضارات سابقة و كونها أحد الحضارات الجوهرية في التاريخ البشري، وثانيًا هي تعود إلى جذور السلسلة التي أحبها اللاعبون بعد غياب طويل بالتركيز على الباركور و الاغتيالات و التخفي، عوضًا عن الآربيجي. نستطيع القول أن اللعبة ليست عودة إلى الماضي فحسب، وإنما عودة إلى الخلف أيضًا، وهناك فرق بين الاثنين.
تدور قصة اللعبة في وقت الدولة العباسية، حيث يتحكم اللاعبون بشخصية باسم بن إسحاق وهو لص فقير يتعاون مع صديقته نهال على القيام ببعض المهام لصالح تنظيم المستترين في بغداد عن طريق وسيط يحمل الاسم درويش. تبدأ القصة في العام 861م وهو في الحقيقة، اختيار مدروس بعناية لأنه العام الذي وقعت فيه حادثة قتل الخليفة العباسي “المتوكل” وكانت فترة اضطراب صالحة لاحتضان أحداث القصة التي ترويها اللعبة. في الحقيقة، القصة في جوهرها بسيطة للغاية و هي تقوم على ملاحقة و مطاردة أعضاء تنظيم القدماء الذين غرسوا أنيابهم في لحم الدولة العباسية و سيطروا على كل شاردة و واردة فيها، والتخلص منهم الواحد تلو الآخر. السرد القصصي متوسط المستوى إجمالًا فهو أحادي الجانب في طريقة تصويره للشخصيات و لا يتحلى بتركيب أو بناء استثنائي للقصة الرئيسية، إلا أنه ينجح على الأقل في أن يعطي اللاعب هدفًا يتطلع إليه في القضاء على أفراد التنظيم بالتعاقب.
الحقبة غنية للغاية بالمادة الثقافية و اللعبة تحتوي على مقصوصات تشرح العديد من الجوانب التراثية و الثقافية في الدولة العباسية، من ديانة وأعراق و تجارة و علوم و مواقع تاريخية وغير ذلك، هناك عملية بحث جيدة للغاية لإعادة تشييد بغداد المدورة أو مدينة السلام كما كانت تسمى آنذاك والتي لم تنجو إلى عصرنا الحاضر وبقيت ورقة مستترة في كتب التاريخ. هذا تضمن أيضًا الإتقان في تصوير العمارة الإسلامية العربية و زخارف الفسيفساء. هناك عدد لا بأس به من الشخصيات التاريخية التي تتواجد في اللعبة أيضًا كما جرت عادة السلسلة، ومن ضمنها الأديب العربي الشهير “الجاحظ”.
لو كان هناك ما ننتقده على تصوير الحقبة العباسية فسيكون المادة الفكرية التي تظهر في بعض قصاصات الأوراق، وفي الشخصيات والتنميط الخاص بها مثل البطل باسم الذي يجب أن يكون لصًا وهو ستيريوتايب شهير و ممل التصق بالعرب بغرابة بعد قصة علي بابا والأربعين حرامي. بشكل عام لاحظنا بوضوح أن المادة الفكرية الموجودة في اللعبة تستمد روايتها من الأفكار و المصادر الاستشراقية و لا تعطي التصور العربي الصحيح لتلك الحقبة حيث تمنينا أن يكون هناك تواجد عربي أقوى من باحثين و خبراء ضمن الفريق الذي قام بتصميم اللعبة و صياغتها بالكامل. هناك بعض الأطروحات التي قد تكون مستفزة بالنسبة للاعب العربي. أنا لم أضع هذه الجوانب في عين الاعتبار في تقييم اللعبة، واكتفيت بذكرها كنوعٍ من النقد الفني الصادر عنا كمؤسسة إعلامية عربية غيورة على هذه الثقافة و هذه الحضارة، و الذي قد يوافقنا فيه البعض وقد يخالفنا البعض الآخر.
لننتقل الآن إلى الحديث عن الجانب الأهم وهو طريقة اللعب. طريقة اللعب في أساسنز كريد السراب مبنية على عدة أركان أساسية وسنتحدث عنها بالتفصيل ونشرح إيجابياتها وسلبياتها. الجانب الأول هو الباركور وهو الجانب المعروف الذي أحبنناه في الأجزاء السابقة للسلسلة. الباركور لم يعد ابتكاريًا أو تجديديًا اليوم كما كان آنذاك لكن الركض والتسلق فوق جدران المباني ما زال ممتعًا وما زال تصميم الأماكن متقنًا و يسمح بحركة متصلة دون انقطاع. أذان الفجر أيضًا يتردد فجر كل ليلة في بغداد، وفي الغالب تتوقف الموسيقى ولا تتداخل معه، إلا في مرات قليلة يحصل فيها التداخل وهو الأمر الذي يعمل فريق التطوير على تصحيحه من خلال تحديث قادم.
الجانب الآخر هو التخفي أو التسلل، تعتمد أساسنز كريد السراب على التسلل بدرجة كبيرة جدًا كطريقة لعب أساسية وهي لا تشجع على الأكشن الذي تحاول أن تخلق العواقب لاستخدامه. لدى اللاعب ترسانة من الأدوات مع شخصية باسم للتعامل مع مختلف المواقف وهي قابلة للترقية أيضًا: هناك السكاكين التي يستطيع رميها على الأعداء والتخلص منهم عن بعد دون أن يكتشفوه، والتي يمكن ترقيتها لاحقًا لتصبح سامة، وهناك أدة النفخ التي تسمح بقذف دبابيس صغيرة منومة على الأعداء مع إمكانية اغتيالهم وهم نيام، وهناك أدوات أخرى مثل قنبلة الدخان. اكتساب نقاط الخبرة يسمح بتعلم هذه الأدوات والحقيقة نحن نعتقد أن عملية التعلم بطيئة بعض الشيء بالنسبة للعبة متوسطة الطول مثل هذه، نحن نفضصل أن نحصل على ترسانة الأدوات في وقت باكر لنقوم بالاستفادة منها بالتنويع في اللعب.
المشكلة الحقيقية أن الذكاء الاصطناعي للأعداء ضعيف و محدود و لا يتطلب حقًا كل هذه الأدوات للتخلص منه، يكفي أن تقوم بالاختباء بين الأعشاب، عزيزي القارىء، وأن تقوم بالتصفير لجذب أحد الحراس إليك والقضاء عليه، نعم الاستدراج يعمل جيدًا والأعداء لا يستطيعون التواصل فيما بينهم بشكل جيد أو تنظيم تحركاتهم الجماعية، ولذلك يسهل القضاء عليهم. في الحقيقة قمنا برمي أحد السكاكين على عدو، و وقفنا ننظر بسخرية على زميله الذي وقف يحدق فيما حصل مثل الأبله، عاجزًا عن القيام بأي ردة فعل. الأعداء يسهل تشتيتتهم و التخلص منهم، ولا يبدو أن الأصوات تجذبهم حيث لا يشعرون بما يحصل حولهم سوى على مسافة قريبة. أقوى طريقة للتخلص من الأعداء هي “التركيز”، خاصية تسمح بإيقاف الزمن واختيار عدة أعداء ترغبون في القضاء عليهم، ومن ثم الاستمتاع بمشاهدة باسم وهو يقتلهم واحدًا واحدًا.
القتال أيضًا محدود جدًا، هناك هجمتان رئيستان للأعداء، الأولى يمكن صدها و يلتمع العدو عند تنفيذها باللون الأصفر، والثانية يجب تفاديها فقط ولا يمكن صدها ويلتمع فيها العدو باللون الأحمر. كل ما علينا فعله كان قراءة حركة العدو بالشكل الصحيح و القيام برد الفعل المناسب للإجهاز عليه، تزداد صعوبة ذلك عند مواجهة عدد أكبر من الأعداء معًا في وقت واحد، ولذلك يبقى التسلل خيارًا أفضل في اللعب إجمالًا، خاصة وأن قتل الأعداء أمام المدنيين سيتسبب في أن يصبح باسم مطلوبًا للعدالة، حيث إن هناك عداد من ثلاث مستويات أساسية يصف حالة الحذر للناس، وكلما ارتفعت الحالة، كلما زاد وعي الناس وانتباههم إلى وجود باسم لينادوا على قوات الشرطة ورجال الخليفة، مما يزيد صعوبة التخفي. يمكن الخلاص من هذه الحالة بطريقتين، الأولى هي دفع عملة لمناد يقوم بتشتيت انتباه الناس، والثانية هي تمزيق المنشورات الورقية التي يظهر فيها باسم على جدران المدينة. هناك أنواع مختلفة من العملات في اللعبة.
هناك أنواع متنوعة من العملات في اللعبة، فبجانب النقد الذي يسمح بشراء الأدوات من المتاجر، هناك أنواع خاصة يمكن استخدامها بطرق مختلفة، مثل عملة التجار التي يمكن استخدامها لتقليل أسعار المتاجر، وهناك عملة السلطة التي تسمح لكم باستئجار المرتزقة لشغل الجنود أو استخدامها للمنادي حتى تزول حالة الحذر ضد باسم من سكان المدينة، وهناك عملة العلماء التي تملك استخدامات مشابهة، أحد الاستخدامات لهذه العملات المتنوعة هو الرشوة التي ستساعدكم على شق طريقكم في المهمات أحيانًا.
تصميم المهام الخاصة بالقصة الرئيسية يعتمد على تقصي آثار التنظيم والوصول إليهم، وذلك من خلال تجاذب أطراف الحديث مع شخصيات متنوعة، أو استراق السمع إلى المحادثات، أو الاطلاع على أوراق وأدلة مخفية تحتوي على معلومات ترشدكم إلى الخطوة التالية، ويؤسفنا القول أن التقصي جعلنا نشعر بالتكرار مع مرور الوقت، خاصة وأن عملية الاغتيال ذاتها تفتقد إلى الإبداع و التنوع الذي قدمته سلسلة Hitman بأجزائها الأخيرة بوجود سيناريوهات عديدة لتنفيذ الاغتيال. أساسنز كريد السراب تحاول القيام بذلك أحيانًا ولكنها، بوضوح، تحمل الجينات الوراثية لفلسفة التصميم القديمة الخاصة بالسلسلة.
حتى الأماكن التي كان يتوجب علينا اختراقها و اقتحامها، كانت في العادة تملك طريقًا محددًا أو نموذجيًا يجب سلوكه للوصول إلى الهدف مثل ضرورة اقتحام نافذة مكسورة أو التسلل من جدار مشقوق، وكما أسلفنا الذكر، هي فلسفة تصميمية قديمة بعض الشيء، ونحن من عشاق المدرسة الحديثة التي تعتمد على تقديم عناصر مفتوحة تمنح اللاعب حرية أكبر في تنفيذ مهمة ما بالكامل من الألف إلى الياء (الأسلوب يسمى في العادة sandbox) عوضًا عن الشكل الحالي في أساسنز كريد السراب والذي يعطي اللاعب الإحساس بأنه يسير على مسار محدد له مسبقًا.
المستوى الرسومي للعبة جيد، خضنا التجربة مع طور الأداء. العمارة الإسلامية في بغداد المدورة بديعة وهناك أحياء متعددة و أماكن تاريخية متنوعة مثل بيت الحكمة، بالإضافة إلى قلعة ألموت، بل و حتى تلك الكثبان الرملية التي تحيط بالمدينة بما تحتويه من واحات و معالم مختلفة، والتي يمكن استكشافها على ظهر الناقة أو الجواد. رسوم الشخصيات عادية للغاية وقد شاهدنا أفضل منها في ألعاب أخرى عديدة، أما التحريك فهو متوسط الجودة في منظورنا. يتراودنا شعور بأن اللعبة كانت محدودة الإنتاج نسبيًا مقارنة بالأجزاء الرئيسية الأخرى التي بدأت من الصفر بطموح أكبر، مما أعاق، ربما، تجديد بعض الأفكار القديمة في بعض الجوانب التي كانت تتطلب ذلك، بما يصاحبه من تجديد على الرسوم و طريقة التحريك.
تقدم اللعبة دبلجة ممتازة باللغة العربية الفصحى مع أقل قدر ممكن من الأخطاء، ويبقى الاعتراض الوحيد على أن الترجمة في بعض الأحيان قد تكون حرفية بشكل يجعلها غير مفهومة تمامًا. طاقم مؤدي الأصوات مليء بالممثلين الكبار والأسماء المحترفة مثل إياد نصّار (باسم) و نهى سمارة (روشان)، التجربة النهائية للعبة تركتنا أكثر رضى في هذا الجانب وهي بلا شك من أفضل أعمال الدبلجة إلى اللغة العربية حتى هذه اللحظة. و فيما يتعلق بالموسيقى، فهي تلتحف بالطابع العربي و تكتسي بعبق التاريخ الموجود في طيات هذه اللعبة، وتنجح تمامًا في هذه المهمة، لا سيما مع استعمال آلات موسيقية عربية مثل العود، و القانون، والأناشيد الجميلة.
Assassin’s Creed Mirage أو السراب هي لعبة جيدة حقًا، لكنها تزرع فينا الشعور بأنها حقًا شيء ينتمي إلى الماضي ولم يحصل على قدر كاف من التجديد ليواكب التطورات الحالية في فلسفة تصميم الألعاب. هناك تكرار و هناك محدودية في اللعب و ضعف في الذكاء الاصطناعي و هذه العوامل تجتمع لتجعل التجربة الكلية متوسطة. الأجواء العربية الفريدة في السراب، هي ما سيبقى في الذاكرة طويلًا بعد الانتهاء من خوض المغامرة.
(راجعنا اللعبة بنسخة بلايستيشن5 حصلنا عليها من الناشر)
