اليوم الذي كشفت فيه هذه اللعبة لأول مرة كان مفاجأة جميلة، مباشرة تواردت الأسئلة الى عقلي، من هو هذا المطور و لماذا تبدو لعبته بهذه الجاذبية. كعاشق مخضرم لألعاب الـRPG بأسلوب تبادل الأدوار كان من المثير لي أن أجد لعبة من مطور غربية تنتهج أسلوب اليابان لهذا النوع من الألعاب، و كأنه خليط جديد يحمل في طياته بوادر مشوقة، و أخيرا حصلت لي الفرصة أن أخوض ضمار هذه اللعبة، فماذا كان بانتظاري حقا؟
يجب أن نضع بعض الحقائق أمامنا في مقدمة الأمر، هذه اللعبة عمل عليها فريق مكون من ما يقارب 30 شخصا فقط. إن كنت اطلعت على بعض عروض الفيديو الترويجية للعبة قد يكون شد انتباهك منظرها الجميل جدا، فدعوني أخبركم أن اللعبة حقا في غاية الجمال في كل تفاصيلها. إنها مختلفة عن ما ستراه في ألعاب أخرى، فالتوجه الفني هنا مميز، إنها أشبه باللوحة الفنية، و ذلك يظهر جليا في تصميم المراحل و الأعداء خصوصا.
اللعبة تحكي قصة “الرسامة” و هي الشخصية الشريرة في اللعبة، و التي بدأت ترسم رقما على قمة كبيرة و يمثل هذا الرقم عمر الأشخاص الأقصى، و هذا يتناقص كل سنة. و في بداية اللعبة وصل الرقم الى 33، مما يعني أن كل شخص في العالم يصل عمره 33 سيختفى من العالم و كأنه لم يكن. في كل سنة يخرج أشخاص في رحلة بمهمة خاصة، يحاولون خلالها القضاء على الرسامة و إنهاء دورة الموت التي يعيشونها كل سنة، و التي ان استمرت سينقرض كل من في العالم.

حسنا صدقوني عندما أقول لكم، هذه قشور القصة فقط، و هي تبدو مثيرة لكن ما خفي أعظم و لن أتطرق له اليوم. لكن أستطيع التأكيد أنها قصة مثيرة للاهتمام و ستعجب الكثيرين، و تعتبر تغييرا مرحب به عن ما عودنا عليه مطوري هذا النوع من الألعاب من قصص حب و غرام اعتيادية و محادثات سطحية و شخصيات مكررة. هذه اللعبة أيضا تقدم أحد أفضل ما رأيت من التمثيل الصوتي في عالم الألعاب. أضف لذلك مقطوعات موسيقية رائعة و من أجمل ما رأيت في ألعاب الـRPG بشكل عام.
لكن لنذهب لجوهر اللعبة، إنه نظام القتال، و كم أبدع فريق التطوير في ذلك. بل ربما إنه أمتع نظام قتال تبادل أدوار قد شاهدته في لعبة. حسنا في البداية سيدو نظام القتال مألوفا بعناصر شاهدناها كثيرا، لكن هناك عاملين أثروا بشكل مباشر عليه و أعطوه عمقا جميلا و طابعا تفاعليا مثيرا. الأول هو أن كل شخصية عبارة عن وظيفة مختلفة، أي أنها لها أسلوب قتال خاص بها و شروطها الخاصة في اللعب. هذا جعل التبديل بين الشخصيات ممتعا و يعطي تنوع كبير في أسلوب اللعب.
الأمر الثاني هو نظام التفادي و الرد في القتال، و هو ما أعطى عمقا جميلا و تفاعليا لأسلوب تبادل الأدور المعتاد. التفادي يتم بضغطة زر، و سيعتمد على قدرتك على توقيته الممتاز مع ضربة الأعداء. و تنفيذ التفادي بنجاح سيعطيك نقاط أكشن إضافية و أيضا سيجنبك الأذى من العدو. أما خاصية الرد فهي أكثر مكافأة، حيث أن توقيتها بشكل صحيح سيجعلك تنفذ ضربة رد على العدو و تتسبب بالأذى له. هناك أيضا لحظات ستكون الضربات على كل فريقك وفي حال الرد سيكون الرد جميعا و أكبر قوة.
هناك بعض الأمور التي تتعلق بجودة الحياة التي تمنيت تواجدها في اللعبة خصوصا أثناء القتال. فمثلا الأعداء في اللعبة يملكون نقاط ضعف تتعلق بالعناصر المختلفة مثل الضوء و الكهرباء و النار و غيرها. المشكلة هنا أن اللعبة تعتمد على ذاكرتك في معرفة نقاط الضعف كل مرة تقاتل فيها، كم تمنيت لو أن اللعبة تملك نظاما مشابه لبيرسونا حيث أستطيع عرض خصائص كل عدو قمت بلقائه سابقا.
اللعبة تتمتع بالجرأة الكبيرة في التغيير و هذا جزء كبير من إعجابي بها. مثلا هناك أدوات في اللعبة تستطيع جمعها تعطيك ترقيات خاصة، و هذا مألوف و معتاد في هذا النوع من الألعاب، و لكن! أغلب الألعاب الأخرى تعامل هذه الترقيات بشكل سخيف، مثل أن تعطيك ترقية بقيمة 2٪ على قوة ضربتك، ما فائدة ذلك؟ فعليا لن يؤثر شيئا على مجريات القتال، و كأنه موجود لغرض تأدية الواجب في اللعبة و ليس لتقديم فائدة حقيقة.
في هذه اللعبة الترقيات تستحق المعاناة حقا، حيث أنها تقدم فوائد حقيقية أثناء القتال. نتحدث هنا عن ترقيات في الضربات تتراوح ما بين 25٪ و 50٪. بالتأكيد المذهل هو أن فريق التطوير قدمها دون إفساد وزنية اللعبة. و هذا تم عبر تقديم تضحيات معينة مع كل ترقية، فمثلا قد تجد ترقية تعطيك زيادة قوة الضربة بمقدار 25٪ لكن في نفس الوقت تخفيض قدرة الدفاع بقيمة 25٪ أيضا. الأمر هنا سيعتمد عليك و كيف تقوم بتعديل أسلوب قتالك ليتناسب مع ترقياتك الخاصة. اللعبة أيضا فيها شجرة لفتح القدرات الجديدة، و هذه الشجرة بسيطة في تصميمها و تشعبها لكنها تفضي بالغرض و لا يوجد ما يستحق الذكر بخصوصها.

ربما من جوانب اللعبة الضعيفة هي تصميم المراحل، فهي لم تحظى بالجرأة في التغيير كما رأينا في جوانب أخرى. أغلب المراحل في اللعبة عبارة عن ممرات مستقيمة مع بعض التفرعات التي ستجد فيها بعض المقتنيات. لقد افتقدت الخريطة المصغرة هنا، أتفهم أن فريق التطوير أراد تعزيز الاستكشاف لكن هذا لم يحدث لأني لم أجد مثلا تصميم مراحل مميز كما رأينا في سلاسل السولز مثلا. اللعبة أيضا تقدم نظام قفز و تسلق، لكنها جدا بدائية من هذه الناحية، حتى أن هناك بعض الألعاب المصغرة التي تعتمد على البلاتفورمنج و كانت بعضها عبارة عن تجربة تعيسة جدا. ناهيك عن أنا القفز قد يأخذ بعض الأحيان الى أماكن في اللعبة يعلق فيها اللاعب بين عناصر مختلفة و يصبح صعب التحريك. لحسن الحظ أن البلاتفورمنج جزء ثانوي جدا من اللعبة.
الخريطة العامة للعبة مليئة بالأماكن الجانبية و الفرعية، و بعضها ستجد عليه لونا أحمرا يحذرك من صعوبة المكان مقارنة بمستواك وقتها. التجول في اللعبة و الانحراف بعيدا عن المهام الرئيسية سيدر عليك مكافآت رائعة، إنها من الجوانب التي أحببت في اللعبة خصوصا مقارنة بقريناتها من مطورين آخرين. كل مسار جانبي أخذته أو عدو اختياري واجهته كافأني بمقتنيات قيمة أثرت على مستواي في اللعبة و قدراتي القتالية.
و صدقوني، في منتصف اللعبة غيرت الصعوبة من المتوسطة الى مستوى “القصة”، و هو من المفترض أن يكون سهلا، لكن حتى هو قدم لي مستوى صعوبة مرضي، بعض الأعداء الاختياريين كانوا يهزموني بضربة واحدة. اللعبة كما قلت سابقا تتحدى المألوف، و لعل لي تهنئة لفريق التطوير لاختياره أن يجعل القصة الرئيسية ما يقارب ال25 ساعة، و هذا بحد ذاته توجه أرحب فيه بقوة. لقد استمتعت بالقصة الرئيسية و كانت مرضية بكل معنى الكلمة، دون أن يضطرني المطور بالمرور بقتالات مكررة و محادثات حشو عديمة قيمة كما يفعل العديد من مطوري هذا النوع من الألعاب للأسف.
و لا تأخذو كلامي أنه تقليل من محتوى اللعبة، بل سيكون هناك ما يقارب 30 ساعة إضافية بعد إنهاء القصة الرئيسية. هناك أماكن كثيرة لاكتشافها في مرحلة الـEnd Game منها القصص الجانبية للشخصيات الرئيسية. حتى المناطق الجانبية تضم قصصا و مقاطع سينمائية جميلة و مقتنيات مفيدة.
هذه اللعبة تمثل نقطة تحول لطالما انتظرناها لألعاب الـRPG من نوع تبادل الأدوار. فريق فرنسي مذهل من 30 شخصا أثبتوا أن صناعة الألعاب فن و فكر، و قدموا لعبة تتحدى التقاليد و العرف. إنها لعبة RPG متكاملة و رائعة و ذات طابع ساحر ستقدم تجربة متجددة و مثيرة للعديد من محبي هذا النوع من الألعاب.