استطاعت Rockstar أن تجعل من اسم Grand Theft Auto أشهر من نار على علم، وبداية هذه اللعبة الظاهرة تعود للعام 2001 عندما صدمت Rockstar العالم بلعبة GTA III، اللعبة التي أحدثت ثورة حينها وشدت انتباه اللاعبين – وغير اللاعبين – للمواد المثيرة للجدل التي احتوتها اللعبة وصورتها بشكل واقعي لم يسبق له مثيل، علاوة على المستوى الفني والإنتاجي العالي، مما جعل GTA III تقود مبيعات البلاي ستيشن 2 في أمريكا الشمالية نحو مستويات جديدة. وفي السنوات التالية واصلت GTA نجاحاتها عبر عدة إصدارات على مختلف الأجهزة، حتى باتت اللعبة الأشهر والأقوى تجاريا على مستوى العالم.
بعد إصدار San Andreas مباشرة عكفت Rockstar North في العمل على GTA IV، ومن تسمية اللعبة بالرقم أربعة في السلسلة وليس بمسمى فرعي، يتضح أن الطموح هذه المرة أكبر من مجرد إصدارة فرعية مكملة. إذا كنت تتساءل، GTA IV هي العمل الذي لن ينسى وسيبقى طموحا صعب المنال لبقية المطورين هذا الجيل، إضافة إلى أنها اللعبة الحتمية في السلسلة، وأحد أفضل ما أنتجته صناعة الفيديوجيمز طوال تاريخها.
Rockstar نهجت مبدأ “إن لم يكن عاطلا، لا تصلحه”، ميكانيكية GTA مازالت في الجزء الرابع كما هو المعتاد، عالم مفتوح يمكنك أن تفعل فيه ما تشاء، غير أن هذه المرة كل شيء أصبح أكبر وأدق تفصيلا بعشرات المرات. بطل القصة هنا هو Niko Bellic ، مهاجر صربي يأتي إلى Liberity City (نيويورك) بدعوة من ابن عمه Roman، الذي وعده بحياة مترفة، ولكن يفاجأ نيكو بالواقع المر، ويصبح لازما عليه إيجاد طريقته الخاصة في تحقيق “الحلم الأمريكي”. قصة اللعبة ستأسرك من البداية للنهاية، شخصية نيكو هي الأكثر واقعية في السلسلة وربما أكثر شخصية سيتعاطف معها اللاعبون، شكرا لنص عالي الجودة يقارن بأفضل حوارات الأفلام السينيمائية، وتمثيل صوتي لم يسبق أن وصل لهذه الجودة في لعبة من قبل. GTA IV تأخذ بالرواية القصصية في الفيديوجيمز إلى مستوى قد يبقى تعجيزيا لعدة سنوات.
من ناحية أسلوب اللعب، حدثت بعد التغييرات الإيجابية في النظام. قيادة المركبات أصبحت أكثر اتزانا عن ذي قبل، ومالت قليلا نحو الواقعية، مما ساعد اللعبة في إبراز قدرات محركها Euphoria بوضوح جلي، فمثلا أصبح كل تصادم تجربة مختلفة شعوريا وشكل باختلاف المعطيات. أما نظام التصويب بالأسلحة فقد حدث له تغيير جذري، الآن يبدو خليطا مابين نظام Resident Evil 4 من ناحية كاميرا التصوير الخلفية و Gears of War من ناحية استخدام البيئة المحيطة للتغطية. هذا التغيير جعل المعارك في اللعبة تجربة أمتع وأعمق بمراحل عن الماضي. تستخدم اللعبة هذه العناصر بإتقان في أكثر من 90 مهمة متعلقة بالقصة متنوعة بشكل ممتاز، وتبدأ هذه المهام بحيز صغير ومحدود وتتصاعد في الرتم تدريجيا حتى تصل اللعبة إلى قمة الإثارة في المراحل المتأخرة. الكثير من المهام ستذهل الكثيرين من ناحية البعد الفني والتصويري لها.
نيويورك في الواقع مدينة تنبض بالحياة ودائمة الحركة مما جعلها تلقب بعاصمة العالم، لحسن الحظ Rockstar استطاعت نقل هذا الشعور بامتياز في GTA IV. هذه المرة من النادر جدا أن ترى نفس الشخصية مرتين في الشارع، أو أن تسمع نفس العبارة تتكرر وما إلى ذلك من النواقص التي عابت الأجزاء الماضية. عدا ذلك أصبح حافز ترك القصة جانبا والتجوال في عالم اللعبة أكبر بكثير من السابق، بإمكانك الذهاب لزيارة عدة أماكن في اللعبة كالمسارح الفنية والعروض الترفيهية والكوميدية، وكلها مصورة وتم تمثيلها بشكل عالي الدقة وبعدد كبير، ففي كل زيارة سترى عرضا مختلفا. يمكنك أيضا أن تتصفح شبكة إنترنت وهمية في اللعبة عميقة لدرجة تصعب تصديقها من الوهلة الأولى، أو مشاهدة ساعات من مواد التلفزيون. إضافة إلى نوادي للبولنج والأسهم والبليارد وجميعها يمكن أن تكون ألعاب صغيرة منفصلة على خدمة Xbox Live Arcade أو ما شابهها. ضف على ذلك النوادي الليلية والمقاهي والمهام التي يمكنك أن تقوم بها باستخدام سيارات الشرطة… في الحقيقة ذكر كل ما توفره GTA IV من إضافات بالتفصيل سيستغرق لوحده صفحات من الكتابة.
الإضافة الجديدة كليا في GTA IV هي إمكانية اللعب عبر الشبكة. مبدئيا لديك 15 طور وقدرة على اللعب بعدد يصل إلى 16 لاعب كأقصى تقدير, هذه الأطوار اعتيادية بشكل عام, لكن ما يميز تعدد اللاعبين في GTA IV هو إمكانية اللعب في خرائط بحجم خريطة اللعبة الأصلية بكل ما بها من تفاصيل كحركة المشاة والسيارات والنشاط العام للمدينة, كما تمنح اللعبة مساحة جيدة للتعديل في خيارات اللعب أونلاين. في النهاية طور اللعب عبر الشبكة ما هو إلا إضافة كبيرة أخرى ستضيف عشرات الساعات لعمر اللعبة إن أردت أن تخوض فيه.
GTA IV هي عمل فني متكامل من الناحية البصرية, كل شيء تم العناية به بحرفية شديدة وأحيانا قد تبدو حتى مبالغا فيها. بعض المناظر في اللعبة أخاذة, فمنظر الغروب سيتوقف عنده الكثيرون, العواصف الجوية في اللعبة مذهلة, ومشهد Liberity City ليلا يجب ألا يفوت أي لاعب. قد لا تكون GTA IV أحد الألعاب المبهرة تقنيا من أول نظرة, لكن عند أخذ حجم اللعبة بعين الإعتبار وكمية التفاصيل فيها, لا يمكن سوى أن تعجب بما أنجزته Rockstar.
تواصل GTA IV تفوق السلسلة صوتيا. التمثيل الصوتي في اللعبة على أعلى مستوى لجميع الشخصيات ابتداءا من Niko وحتى أقل الشخصيات تأثيرا, وفي الحقيقة كان من الرائع من Rockstar أن تلجأ لممثلين صوتيين ممتازين ولكن ليسوا من المشاهير, وذلك حتى لا تشكل أصواتهم مصدر إلهاء للاعب عندما يكتشف المؤدين. إضافة إلى التمثيل الصوتي العالي الجودة, تأتي اللعبة بعدد 18 محطة إذاعية ترضي جميع الأذواق, لديك أغلب الأصناف الموسيقية وأكثر من محطة حوارات (Talk Shows) للاختيار منها. الأغاني تتدرج من المشهورة والكلاسيكية إلى التي لم يسمعها الكثيرين فتكون جديدة كليا على اللاعب, لكن في المحصلة جميعها تندرج تحت تصنيف الممتاز.
لا يمكن القول أبدا بأن GTA IV لعبة كاملة المواصفات, لا يوجد منتج كامل, سواء كان فيديوجيم أو أي شيء آخر. GTA IV بها نقائص يمكن أن تعد لائحة بها إن شئت, لكن هل هذه العيوب مؤثرة؟ هل تستحق أن يشار إليها باهتمام؟ الجواب هو بالتأكيد لا. قد لا تكون GTA IV لعبة كاملة, لكنها بسهولة أكثر لعبة اقتربت من الكمال حتى اليوم. يجب على كل لاعب مهتم ولو بشكل بسيط أن يخوض هذه التجربة.