يقال أن الوصول إلى القمة يعتبر أمرا سهلا بعكس المحافظة عليها، و في الواقع لطالما كانت لدي إشكالية في تقبل هذه العبارة – النصف الأول منها بالتحديد – لأني أرى فيها تقليلا من الجهد الذي قد يبذله الانسان للوصول إلى القمة. قبيل ساعات قليلة من كتابتي لهذه المراجعة اكتشفت بأن الإنسان لا يحتاج لرجل حكيم ليثبت له خطأ العبارة التي نتحدث عنها، بل يحتاج لأبسط من ذلك بكثير، أن يرى، يلعب ثم ينهي ميتل جير سوليد 4 من نقطة البداية إلى نقطة النهاية.
ميتل جير سوليد 4 هي حالة إبداعية فريدة من نوعها قد يحتار الكثير في وصف تفاصيلها، وليأخذني القارئ كمثال حي على حالة الفوضى الداخلية الي سيعيشها اللاعب مع هذه اللعبة، لا أقصد فوضى سلبية، بل فوضى خلاقة تحيي الكثير من المشاعر الانسانية الدفينة، ستضحك و تبكي و تحبط و ستشعر بأنه قد تم خداعك ، ستشعر بالعظمة و الفخر تمتزجان بمشاعر الأمل و الإصرار – وحتى الاحباط – بل و حتى التعاطف مع الأخيار أو حتى مع ما يفترض بأنهم هم الأشرار، إنها سلسلة متوقدة من المشاعر تتفجر كالبركان الهائج في كل جانب من جوانب اللعبة.
الحركة التجسسية التكتيكية أو Tactical Espionage Action هي معادلة أسلوب اللعب في سلسلة ميتل جير سوليد، المعادلة الأساسية ثابتة لكن اللعبة حصلت على الكثير من التحسينات في صميمها. هناك بعض عناصر اللعب العائدة من الأجزاء الماضية، مثل نظام الكاموفلاج المتمثل في بدلة سوليد سنيك الجديد OctoCamo والتي تتأقلم مع البيئة و نظام الCQC القتالي، هناك بعض الميزات الجديدة التي تم إضافتها هذه المرة، و لكن ليس المذهل في أسلوب ميتل جير سوليد 4 هو وجود هذي العناصر بحد ذاتها، فهي في من ناحية الفكرة لا تعدو كونها بسيطة، إلا إن العبقرية و الإنجاز الحقيقي تمثلان في طريقة إنجازها بشكل متداخل مع بقية عناصر اللعبة. لنأخذ على سبيل المثال نظام نقاط دريبن أو Drebin Points الخاص بتطوير و شراء الأسلحة و الذخائر، لقد رأينا جوهر الفكرة في ألعاب سابقة، إلا إن براعة كوجيما تمثلت تماما عبر ربطها بشخصية مثيرة للاهتمام في قصة اللعبة، و الأهم من ذلك هو تقديمها بأسلوب سهل ممتنع يضفي بعدا آخر لمتعة اللعب. مثال آخر على ذلك هو نظام حلقة الخطر الذي استبدل نظام الرادار، وهنا يأتي التوظيف الجيد مع خاصية أخرى وهي مستوى النفسية والضغط العصبي الخاص بسنيك، كلما زاد الخطر و زاد مستوى القتال كلما قلت فعالية سنيك على الأداء.
لقد عودتنا ميتل جير أن تعطي الخيار مفتوحا لللاعب في طريقة تقدمه في اللعبة. من الممكن أن تنهي اللعبة بمسدس التخدير، أو بالبقاء متخفيا طوال الوقت، أو إمكانك اختيار أسلوب حركي أكثر عبر تجربة ترسانة الأسلحة الضخمة الموجودة لديك. ولكن ما تقدمه ميتل جير 4 يفوق ذلك، لقد أصبح لديك رفيق جديد هو الروبوت الآلي الصغيرك MK II ولك كامل الخيار في استخدامه كما تشاء، إذا صادف طريقك لغم عسكري مزروع للنيل منك بإمكانك استخدام الMKII لعزله أو تكتفي بإطلاق النار عليه لدحر شره، وليس من الضروري أن تقاتل في صف الثوار ضد الPMCs حتى تكمل مسيرتك في اللعبة، ولكن هو خيار مفضل بالنظر للمساعدات و الصداقات الي ستظفر بها.
إن النصف الأول من اللعبة من ناحية أسلوب اللعب يعتبر مثاليا لدرجة مذهلة، شكرا لعناصر اللعب الجديدة و التحسينات الإضافية على العناصر السابقة بل وأيضا للتحسينات في الكاميرا و التحكم خصوصا نظام التصويب الجديد ونظام الFPS والAI المتقدم، لقد تمكن هيديو كوجيما من صهر هذي العناصر في قالب واحد ينقل السلسلة لمستوى جديد من الرقي و متعة اللعب، في النصف الثاني من اللعبة، ستلاحظ بأن عنصر التخفي في أسلوب اللعبة يقل بشكل ملحوظ وتتجه اللعبة أكثر لعنصر الأكشن و التصويب، لا ضير في ذلك، فأنت على موعد مع أروع و أجمل مقاطع الأكشن في تاريخ ألعاب الفيديو. ثق تماما بأني أعني ما قلته في هذي العبارة تماما، لقد وصلت ميتل جير سوليد 4 إلى المثالية الحقيقية في أسلوب اللعب، في السابق كانت السلسلة تواجه بعض الانتقادات في هذا الجانب، أما الآن فهذا الجانب هو أقوى ميزة تتمتع بها اللعبة.
بالحديث عن أقوى جوانب السلسلة، فإن القصة و المشاهد السينمائية تحتلان مرتبة متقدمة، لقد استطاع كوجيما في فك الطلاسم التي عجزنا عن فهمها في الأجزاء الماضية، كل شيء أصبح في منتهى الوضوح، من هم الPatriots وكيف بدأوا وما هي أهدافهم و من يدير عملياتهم حاليا. هناك بعض المفاجئات غير المتوقعة هناك وهناك، لكنك ستشعر أنك كنت على مقربة من فهم جميع الأحداث لو كانت لديك القدرة على الربط بينها كما فعل عقل هيديو كوجيما في ميتل جير سوليد 4.
لطالما عرفت ميتل جير سوليد بربط أحداثها مع ما نراه اليوم في العالم الواقعي. لقد قدم كوجيما إسقاطات رائعة في القصة لما نشاهده من أحداث في عالم اليوم وربطها بشكل متناسق مع قصة اللعبة الخيالية ، شركات الأمن الخاصة وقوتها المتنامية، تجارة السلاح وسياسات الحروب وتأثيرها على الاقتصاد العالمي ومن يساعد في إذكائها، شخصيا لم ولن أبدي أي استغراب إذا وجدت شخصا يؤمن ببعض ماجاء في قصة اللعبة كوجود منظمات خاصة لها سيطرتها ونفوذها القوي في صنع القرار من العمق الايجابي في القصة، و الخبر السار أنها ليست بنفس درجة التعقيد المعهودة في الأجزء السابقة، مما يعني فسحة جيدة لتقبلها من قبل اللاعبين الجدد.
المشاهد السينمائية في ميتل جير 4 هي تحفة فنية راقية، تصميم المشاهد مع الأحداث والقدرة الانتاجية العالية والاخراج المتقن هي أروع ما وصلت إليه ألعاب الفيديو في عصرنا الحالي، نعم المشاهد كثيرة وبعضها طويل وهذا قد لايعجب حديثي العهد بالسلسلة وقد لا يبدو خيارا مثاليا في تصميم ألعاب الفيديو، إلا أنها كانت ضرورية من ناحية المبدأ وكان لابد من إيضاح جميع الأمور دون إظهار أي نوع من الاستعجال أو القفز فوق محاور القصة. ميتل جير سوليد 4 تقدم تجربة غنية مع الشخصيات، لقد استطاع كوجيما من أن يجبر المشاهد على التفاعل مع جميع شخصيات اللعبة قلبا و قالبا، سوليد سنيك لم يكن النجم الوحيد في اللعبة بل شاركته جميع الشخصيات المرافقة.
بصريا، اللعبة هي أفضل ما تم إنتاجه على أجهزة الفيديو جيمز المنزلية، ثق تماما بأن الصور وحتى مقاطع الفيديو لن تعطي اللعبة حقها الذي تستحقه، إنها فعلا الإنجاز التقني الذي يظهر قدرات البلاي ستيشن 3، بغض النظر عن بعض المشاكل البسيطة ( تكستشرز منخفضة الدقة في بعض المناطق – تعرج في الظلال – مؤثرات نيران ضعيفة ) إلا أن المظهر العام يقف على القمة، هناك مقطع معين في اللعبة يدمج ما بين المشاهد السينمائية و اللعب الفعلي في آن واحد، هنا تظهر اللعبة قوتها التقنية الحقيقية و ستتأكد حينها من الانجاز البصري الذي قام به فريق كوجيما. معدل عرض الإطارات في اللعبة لم يتم تثبيته، في أحيان ستجد اللعبة تعمل في 30 إطار وأحيانا أخرى أقل من ذلك، لكن المدهش أنه في كثير من فترات اللعبة – خصوصا المناطق الداخلية – تجد معدل الإطارات يقفز حتى 60
إطار، و هذا أمر رائع بالنظر لمظهر اللعبة العام.
من الناحية السمعية والصوتية، ميتل جير سوليد 4 هي الأفضل حتى الآن، صوت محيطي نقي غير مضغوط مع مؤثرات صوتية مذهلة تجسد البيئة التفاعلية التي تتمتع بها اللعبة، و التمثيل الصوتي نجح في الارتقاء لنفس المستوى المذهل، أما الموسيقى التصويرية فهنا يظهر مستوى إبداعي جديد، هاري جريجسن ويليامز و نوبوكوا تودا قدما معزوفات موسيقية تستحق لقب أفضل موسيقى تصويرية أصلية لهذا العام، بل تتعدى ذلك لتكون واحدة من أفضل المقطوعات التي أنتجت في أي لعبة فيديو، في اللعبة تم إعادة استخدام بعض المقطوعات الكلاسيكية من الأجزاء الماضية لتضيف رونقا آخر للجمال الموسيقي. هناك ميزة جميلة تم إضافتها في اللعبة، سوليد سنيك يحصل على مشغل iPod ليكون رفيقه المتنقل، الجميل أنه يعمل داخل اللعبة كما يعمل في الحياة الواقعية تماما.
لعلك لاحظت أن كلمات المديح انهالت على اللعبة بشكل قد يبدو مبالغ فيه وقد تبدو ككلمات صادرة من أحد أنصار اللعبة المتحمسين، وهنا تكمن المعضلة الحقيقية التي تواجه أي مراجع ألقيت على كاهله مهمة الحديث عن ميتل جير سوليد 4، إنها لعبة مثالية لا تدع مجالا للعيوب القاصمة للتسلل إليها، لا توجد لعبة كاملة في نظر أي شخص، ولكن هناك لعبة تقترب لدرجة لم يسبق لها مثيل من الكمال، وهناك لعبة تتلاشى جميع العيوب البسيطة لدرجة مايكروسكوبية أمام عظمة ما تقدمه على جميع الأصعدة.
ميتل جير سوليد 4 هي إنجاز حقيقي يضاف لصناعة ألعاب الفيديو، ميتل جير سوليد 4 تبرز كزهرة متفتحة في وسط صحراء قاحلة أنهكها الشح و الجفاف، لقد أعاد هيديو كوجيما الثقة للمطور الياباني بهذي التحفة الفنية بعد سنوات من الغياب، وأعاد الأمل في أن تستمر صناعة ألعاب الفيديو بنفس النمط التي تطورت به عبر الأزمنة عبر التكنولوجيا والتركيز على الموارد الفنية في جميع الأصعدة، ليس ذلك فحسب، بل ذكرتنا لماذا نعشق ألعاب الفيديو ولمذا نمضي ساعات كثيرة في الحديث عنها و لماذا أصبحت هوسا حقيقيا أكثر من كونها هواية.
نعم، الصعود إلى القمة ليس سهلا، فقد تطلب ذلك من هيديو كوجيما 18 سنة من الخبرة و 4 سنوات من العمل والجهد المتواصل ليصعد إلى القمة، شكرا سوليد سنيك، لقد أنقذت العالم مرتين، الأولى داخل اللعبة و الثانية عندما خلصته من قبضة المطور الغربي الذي يثبت من جديد أنه عاجز عن مجاراة روعة التصميم الياباني و إن كان يعيش أسوأ حالاته.