حول فهرست الألعاب
منذ نعومة أظفاري و أنا مغرم بألعاب الفيديو الإلكترونية، لا أستطيع أن أنسى تلك الساعات التي كنت أقضيها عندما أعود من المدرسة حيث أضع حقيبتي جانبا و أنهمك في تصفح أخبار الألعاب و مراجعاتها على أرجاء الشبكة العنكبوتية قبل حتى أن أتناول وجبة الغداء، لطالما كنت شغوفا بهذه الهواية التي أوجدت لي آفاقاً من العوالم الساحرة التي لم أعرف إليها سبيلا آخر .. فلا الأفلام الهوليوودية و لا المسلسلات السورية أو المصرية ( قبل عهود الأتراك و المكسيكيين ) خلبت لبّي كما فعلت ألعاب الفيديو .. و انقضت الأعوام و السّنون و تحول الطفل الصغير المسحور .. إلى محدثكم المتواضع الذي يكرّس وقته للكتابة في هذا المجال عبر موقعه و موقعكم الأثير تروجيمنج.
و من هنا ولدت فكرة تقديم سلسلة من المقالات الخاصة بشكل دوري، مقالات تتناول مواضيع مفرّقة و مبعثرة لا يلمّ شتاتها سوى فهرست الألعاب، ووقع الاختيار على فهرست الألعاب – كاسم لهذا البرنامج – من قبل زميلي العزيز في المنتديات “إيهاب قريبة” الذي سيشاركني تقديم المقالات بمشيئة الله عز و جل .. حيث عقدنا العزم سويّة على اختيار اسم عربيّ فصيح، يناسب هويّة الموقع و اللغة التي ولد بها، هذه سلسلة من المواضيع التي لا نريد أن تذوي بها الذاكرة فتفقدنا و نفقدها، و لأنّنا نعتنق المبادىء القديمة في التثبيت و لا نتخلّى عن القلم و الورق، أو شاشة الحاسب و لوحة المفاتيح .. فتمّ الاختيار بأن تكون هذه المادة كتابية بحتة، عوضاً عن المواد المسموعة و المرئيّة .. والله وليّ التوفيق.
من هو Gunpei Yokoi ؟
لا ريب بأن الابتسامة ارتسمت فورا على وجوه عشّاق و محبي ننتندو القدامى عند قراءة هذا الاسم، فلم يكن (جنبي يوكوي) مصمما عاديا .. بل هو رجل ترك بصمة تاريخية و إرثا تتناقله الأجيال، فهو واحد من ألمع و أمهر المخترعين الذين عملوا على ابتكار و استحداث أجهزة الألعاب، وهو شخص ندين له جميعا كلاعبين بالكثير و الكثير، هذا الشخص مات بحادث سيّارة على طريق سريع في طوكيو عام ألف و تسعمئة و سبعة و تسعين.
لم تتوقف الإشاعات و الشكوك على هذه الحادثة قط، يمكنك أن تستمع إلى الهمسات الخافتة من هنا و هناك .. “لقد مات مقتولا” .. “الحادث لم يكن قضاء و قدراً” .. “لقد فعلها ياماوتشي و عصابات الياكوزا” .. ربما لم يعرف الجمهور العربي عن هذه الحادثة كثيرا لعدم انتشار خدمات الإنترنت آنذاك، إلا أنني هنا أسلّط بقعة من الضوء حول هذه الحادثة التي أثارت فضولي و تفكيري لزمن طويل، مقدماّ إليكم الحقائق المجرّدة، و تاركاً لكم الحكم الأخير .. فأنتم القاضي و الحَكَم.
و قبل أن نسرد لكم وقائع هذه الحادثة، فلا بدّ لنا من المرور على أبرز المحطات و الذكريات لـ (جنبي يوكوي) .. و حتى نرى كيف آلت الأمور إلى ما آلت إليه، في الحقيقة انضم هذا المصمم إلى شركة ننتندو قبل أن تقتحم الشركة قطاع الألعاب الإلكترونية بزمن طويل، فكان مسؤولا عن صناعة و اختراع بعض الألعاب الغريبة في سبعينات القرن الماضي، و نتيجة لاختراعاته العجيبة فقد ترأس فرقة الأبحاث و التطوير رقم واحد في الشركة R&D 1، و في أحد الأيام عندما كان عائداً إلى منزله على متن وسيلة مواصلات عمومية، شاهد ( يوكوي ) الشخص الجالس بجواره يلهو بآلة حاسبة صغيرة الحجم، لقد تركت تلك الحادثة البسيطة أثرا كبيرا على مخيلة هذا المصمم الواسعة، فقد أدرك بأن الشاشات الكريستالية LCD أصبحت رخيصة الثمن إلى الحد الذي يسمح باستعمالها في أجهزة إلكترونية لا يتجاوز سعرها العشرة دولارات، كالآلات الحاسبة و الساعات الرقمية، و هنا التمعت الفكرة في ذهن ( يوكوي ) المتّقد .. لماذا لا يقوم بإقحام هذه التكنولوجيا الثورية في قطاع التسلية و الترفيه ؟
عهد جديد
بذلك ولد جهاز الألعاب المحمول الأوّل في التاريخ، إنه جهاز يحتوي على لعبة واحدة .. و به ساعة رقمية صغيرة أوحت بالاسم النهائي للمنتج .. نعم إنه الـGame & Watch، إنه الجهاز الذي نجح نجاحا كاسحا و أنتجت ننتندو بقيادة ( يوكوي ) نماذج عديدة منه بألعاب مختلفة، لقد كان اختراعاً ثوريّا حمل الصناعة إلى آفاق جديدة، و تم تقليده بمئات بل آلاف الأجهزة المشابهة، و من الجدير بالذكر بأن أحد أجهزة الـGame & Watch كان يحتوي على شاشتين مزدوجتين بشكل طولي، مما أوحى إلى ننتندو بإعادة هذا التصميم لاحقاً مع الجهاز المحمول الأنجح لدى الشركة ، الننتندو DS.
لو كان ( يوكوي ) شخصاً عاديّاً لربما اكتفى بهذه الخطوة الكبيرة و حاول البناء عليها فقط، إلا أن هذا الشخص امتلك عقلا ابتكاريّا يثير الإعجاب، فقد عمل على دمج أبرز المزايا التي تواجدت في الـGame & Watch بالإضافة إلى جهاز العائلة الشهير NES، لينتج الجهاز الهجين GameBoy، إنه أبرز محطات نجاح و فخر ( جنبي يوكوي ) و الجهاز الذي قلب عالم الألعاب الإلكترونية رأساً على عقب. احتوى الجيم بوي على الشاشة الكريستالية التي تم تقديمها في جهاز ( يوكوي ) السابق، و استخدم فكرة الأشرطة القابلة للتبديل من جهاز العائلة بالإضافة إلى وجود زري A و B و الأسهم المتعامدة + ، التي كانت من اختراع ( يوكوي ) بالأصل.
لقد كان وقع الجيم بوي رنّانا على كافة الصعد، مما جعل المسؤولين في سوني يستشيطون غضبا لأن المهندسين و المبرمجين لديهم في قطاع التسلية و الترفيه، لم يأتوا بالفكرة أولا .. و لم يتردد المنافسون من طرح أجهزة مشابهة أملا في اقتطاع جزء من الكعكة، فقامت الشهيرة أتاري بطرح جهاز لينكس، بينما طرحت الزرقاء سيجا جهاز الجيم جير، إلا أن المحاولتين باءتا بالفشل، لتتبوّأ ننتندو عرش المحمول بجدارة و اقتدار، و لعل الأسباب التي تسببت بفشل المنافسين .. هي استخدام شاشات ملونة في أجهزتهم مما تسبب في تقليل عمر البطارية و ارتفاع ثمن الأجهزة، مقابل الفلسفة و المنهجية التي اتبعها ( يوكوي ) و هي الارتكاز على عمر البطارية الطويل و قائمة الألعاب الممتازة بالإضافة إلى سعر زهيد، مضحيّا بالشاشة الملوّنة.
حسنا، لا يمكن للسعادة أن تستمر للأبد، فلا بد للنجاح أن ينجلي و لا بد للتاريخ أن ينكسر، لم تسر الأمور جيّدا مع يوكوي في الجهاز التالي .. الجهاز الذي عصف بننتندو و أدخلها في دوّامة من المشاكل آنذاك، إنه الـVirtual Boy جهاز الواقع الافتراضي، رغم أن الفكرة بحد ذاتها كانت ثورية بتقديم جهاز محمول يقدم الواقع الافتراضي و بتقنيات لا تصدق في أواسط التسعينات .. إلا أن الفكرة كانت سابقة لعهدها و التكنولوجيا لم تكن متاحة بشكل مناسب آنذاك، فصدر الجهاز بسعر مرتفع وصل إلى مئة و ثمانين دولارا، مع مكتبة ضعيفة من الألعاب و ألعاب باللون الأحمر فقط بشكل يسبب الصداع الشديد .. فشل جهاز الواقع الافتراضي جعل ننتندو تلقي باللوم الشديد على ( يوكوي ) مما حذا به في النهاية إلى مغادرة ننتندو و تأسيس شركته الخاصة .. بعد تاريخ مديد.
نهاية رجل شجاع
بدأت شركة ( يوكوي ) الجديدة بالعمل على جهاز محمول لصالح شركة بانداي الشهيرة .. هذا الجهاز الذي قدّر له لاحقا أن يصدر تحت اسم (الوندرسوان)، بالطبع لم تكن هذه أخباراً طيبة للحمراء ننتندو، (يوكوي) يعرف أدق أسرار الشركة و طرقها في تصميم الأجهزة بل و كان مسؤولاً عن تشكيل أنجحها من الأساس، فضلاً عن كون الأجهزة المحمولة السلاح الأكبر و الأكثر ربحية للشركة في عالم الألعاب، فهل يمكن أن يسمح الجهابذة الكبار في ننتندو بذلك ؟؟ و خاصة رئيس الشركة ياماوتشي سليل العائلة العريق ؟
و شيئا فشيئا اقترب موعد الحادث المشؤوم، ففي شهر أكتوبر من عام ألف و تسعمئة و سبعة و تسعين، كان ( يوكوي ) يقود سيارته الخاصة على طريق هوكوريكو السريع مع رفيقه ( إتسوي كيسو ) .. لترتطم السيارة بشاحنة كان يقودها ( تاكاشي أوكوشيما ) .. وعندما نزل ( يوكوي ) و رفيقه من العربة لتفقد أضرار الحادث، أتت سيارة مسرعة و ضربت ( يوكوي ) و استمرت في الانطلاق ! أصييب الرجل على إثر الصدمة بجروح بليغة و فارق الحياة بعد ساعتين متأثراً بجراحه .. لتسري الشائعات بين الناس سريان النار في الهشيم، الكثيرون آمنوا بأنّ الحادث لم يكن قضاءاً و قدراً على الإطلاق، و اعتقدوا بأنّ هناك يداً خفيّة أحكمت التخطيط و التدبير، ربما ستبقى حقيقة ما حصل في علم الغيب، لكننا نود أن نذكر مجدداً بأن شركة ننتندو في الماضي كان لها علاقة مع بعض عصابات الياكوزا، و هذه حقيقة تاريخية من لبّ الواقع.
نحن هنا لسنا بصدد إثارة الحديث حول الإشاعات القديمة مجدداً، فنحن فقط نقلّب كتاب التاريخ المغبرّ و ننتزع منه صفحة نسردها و نحكيها، لواحد من ألغاز عالم ألعاب الفيديو المثير، و الذي سيبقى حدثاً غامضاً يلهب خيال الناس وعقولهم بالتحليل و التفكير، إلا أنّ الحقيقة الثابتة لا تقبل الجدل أو المساومة : في 4 أكتوبر 1997، فقد عالم ألعاب الفيديو علماً من أعلامه التاريخية. و بالرغم من رحيله الذي ألقى بظلاله القاتمة على هذه الصناعة، لا زالت ننتندو تسير على منهج و فلسفة ( جنبي يوكوي ) في تصميم و تصنيع الأجهزة حتى اليوم.