التطبيق العملي لواجهة تفاعلية بين المستخدم وشاشة العرض هي فكرة تعود لمنتصف القرن الماضي، فكرة مرت بالعديد من التطورات حتى أصبحت ما نتعرف عليه اليوم بسهولة كلعبة فيديو. تطورت هذه الصناعة بمرور الزمن حتى تفرعت لعدة أقسام، لكن ظل التحدي الرئيس لألعاب الفيديو هو تسلية المستخدم بأسلوب جديد. اليوم باتت صناعة ألعاب الفيديو في أعلى الهرم الترفيهي متفوقة على المجالات الأخرى ذات الباع التاريخي الطويل كالموسيقى وصناعة الأفلام، وسجل العام 2007 أرقاما قياسية مع مجموع دخل عالمي يصل إلى 42 مليار دولار أمريكي لسوق ألعاب الفيديو. اليوم في خضم ما يعتبره الكثيرون الجيل السابع من تاريخ هذه الصناعة، تعددت أساليب التسويق لدرجة تغير فيها مفهوم ألعاب الفيديو وطريقة ترويجها للمستهلك إلى الأبد!
بأكثر من 30 سنة تحت مظلة ألعاب الفيديو؛ تعتبر ننتندو الشركة المتخصصة الأكثر خبرة ميدانية في السوق، ويتضح ذلك جليا من خلال النظر إلى وضع السوق الحالي. لكن أي متابع خلال الخمس سنوات الماضية على الأقل سيقف كثيرا عند هذا النجاح المدوي، بالذات على صعيد منصة الوي. أما الأجهزة المحمولة فقد غردت ننتندو فيها خارج السرب منذ الأزل. إذن ما الذي تغير؟ وكيف استطاعت ننتندو الخروج من نفق مظلم ومستقبل غامض في حقبة منصة الجيم كيوب إلى التربع على عرش الصناعة؟ وما أثر هذا التغيير على مستقبل الألعاب كما نعرفها ونعشقها اليوم؟
بالتمعن في الخط البياني للمبيعات العالمية لأجهزة ننتندو منذ جهاز العائلة (NES)، ستجد أن منصات ننتندو المنزلية قد اتخذت منحنا تنازليا ثابتا حتى وصلت لأدنى مستوى لها مع جهاز الجيم كيوب (21 مليون جهاز)، وبدأت حينها ننتندو بدق ناقوس الخطر. طوال تاريخها قدمت ننتندو الكثير من الألعاب ذات القبول الواسع، وأدرجت ألعابا ستبقى تعد من أقوى النجاحات التجارية على مر التاريخ. لكن مع التطور وتغير الذوق العام قل الالتفاف حول ننتندو بشكل ملحوظ؛ فبالرغم من استمرارها في تحقيق النجاح تجاريا، فقد بدا واضحا عدم قدرتها على التوسع أكثر بسياستها الحالية، وحدثت النقلة الدراماتيكية للسوق مع دخول ثم استيلاء عملاق الإلكترونيات سوني على صناعة ألعاب الفيديو بجهاز البلاي ستيشن.
استمرت سيطرة سوني مع البلاي ستيشن 2 بالاستمرار في نفس أسلوب الترويج العصري الذي سلكته الشركة، في جهاز تم تسويقه على أساس كونه جهازا ترفيهيا شاملا؛ وذلك كمشغل للصيغة الجديدة في ذلك الوقت الديفيدي، مع استمرار الحفاظ على أفضل الأسماء التجارية في ألعاب الفيديو والتوسع بالتعاقد مع أهم شركات الطرف الثالث. في المحصلة نجحت سياسة سوني بتتويج البلاي ستيشن 2 كأفضل جهاز ألعاب مبيعا في التاريخ (140 مليون وحدة). هيروشي ياماوشي الرئيس السابق لننتندو حاول تسويق الجيم كيوب كجهاز ألعاب فيديو خالص، وعكف يلفت النظر إلى كون الجهاز سهل البرمجة وأرخص ثمنا عن بقية المنافسين؛ في إشارة إلى أن المستهلك يلعب بالـ”منتج” وليس بالـ”منصة”. بهذه السياسة واصلت ننتندو تحقيق الأرباح وإرضاء عشاق ماريو وزيلدا، وليس أكثر من ذلك. مايكروسوفت دخلت الصناعة بمارد تقني وأول جهاز ألعاب يأتي مع قرص صلب داخلي؛ الإكس بوكس. لكن النجاح كان محدودا جدا رغم “هيلو”، وتكبدت مايكروسوفت خسائر جمة تقدر بمليارات الدولارات. رغم ذلك أصر مسؤولو مايكروسوفت بأن خطتهم للتفوق هي للتطبيق على المدى البعيد.
أثبت التاريخ بأن التوجه نحو شريعة معينة لن يجلب أكثر من هذه الشريحة بعينها مرارا وتكرارا، فالمنتج عالي الجودة الذي قد تمضي فرق التطوير سنوات في العمل المضني عليه قد يفتقد لأساسيات الرواج بين عامة المستهلكين؛ كسهولة لعب هذه اللعبة والخروج منها في أي وقت. ماقد يحدث في المستقبل القريب سيكون متمثلا في عملية الدمج بين بين فئتي ألعاب الهاردكورز والكاجولز؛ ألعابك المفضلة ستستمر في الصدور خلال السنوات القادمة بنفس العمق الذي تتمناه، لكنها ستختلف من ناحية واجهة الاستخدام؛ قد تتطلب هذه المرة استخدام أزرار أقل وأبسط، وربما يتم تقسيم اللعبة بطريقة سهلة وواضحة للجميع. هذا الاتجاه لابد من أن تسلكه شركات تطوير الألعاب. لاتتوقع في المستقبل أن ترى فرق التطوير -بالذات الصغيرة منها- تقوم بالمجازفة، خصوصا مع الارتفاع الهائل لكلفة تطوير الألعاب.
صيحة ألعاب الكاجولز ليست وليدة اليوم، فقد رافقت صناعة ألعاب الفيديو منذ سنوات طويلة، وكان سوقها الأكبر يتشكل عبر الحواسيب الشخصية عبر الألعاب المصغرة ذات التكلفة البسيطة. لكن النجاح الكبير لأجهزة ننتندو الجديدة وخدمات تحميل الألعاب من شبكات الإكس بوكس والبلاي ستيشن دفع وبشكل لافت مؤخرا كبرى الشركات نحو صناعة ألعاب مخصصة للمنصات المنزلية، منخفضة التكلفة وعالية الدخل المادي. شركات مثل إليكترونيك آرتس ويوبيسوفت قامت بتكوين فرق مخصصة لمشاريع ألعاب الكاجولز، بينما شركات أقل شأنا كانت قد عانت كثيرا من نشر ألعاب “الهاردكورز” في الماضي، أصبحت اليوم تتجه حصريا لنشر ألعاب الكاجولز، كشركة Majesco. تتعدد الآراء والتوقعات، لكن من المؤكد بأن التقسيم الحالي من قبل المراقبين لسوق ألعاب الفيديو على أساس فئتي الهاردكور والكاجولز لن يستمر طويلا؛ فئة الهاردكورز لاتمثل أي نسبة مؤثرة في السوق والجميع سيحاول مشاركة ننتندو في كعكة الكاجولز الضخمة؛ فطبقا لـ DFC Intelligence: سوق الكاجولز الأمريكي الشمالي سيصل إلى قيمة سوقية تعادل 1.15 مليار دولار مع العام 2011!
تعارف اللاعبون على جهاز مايكروسوفت الإكس بوكس كمنصة مخصصة للهاردكورز، وقد ترسخ هذا المفهوم تماما مع الإكس بوكس 360، لكن بالرغم من النجاح الجيد للإكس بوكس 360 في أغلب الأسواق العالمية، إلا أنه أصبح مهددا إذا ما استمرت الأجهزة المنافسة له بنفس الرتم في السوق بأن يكون في المحصلة أقل الأجهزة مبيعا مع نهاية الجيل! مايكروسوفت استشعرت بهذا الخطر مبكرا، وستقدم على عدة خطوات لمنافسة ننتندو على السوق الذي سيطرت عليه هذا الجيل، والسوق الذي نجحت سوني في امتلاكه لجيلين متتاليين. سوني أرادت الشريحة الكبيرة بالبلاي ستيشن 3، لكن ضبابية السياسة والتغيرات الإدارية الكثيرة التي حصلت للشركة علاوة على السعر المرتفع جدا للجهاز وكون سوق البلوري مازال في طور النمو…كل هذه العوامل عطلت كثيرا من زخم الإنطلاقة القوية التي ترجتها سوني.
ألعاب الفيديو وجدت في الكاجولز ما كانت تبحث عنه لفترة طويلة؛ توسعة قاعدة المستهلكين، والبائن هو أن الكاجولز أتوا ليبقوا، ولن ينسحبوا من الساحة بين يوم وليلة. من الصعب التكهن بما سيأتي في المستقبل خصوصا من قبل الكبار الثلاثة، لاتحتاج إلى بحث لتستنتج أن ننتندو ستعمل على استثمار الوي إلى أقصى درجة ممكنة حتى لو وصل الأمر إلى “التعسف” في استعمال الحق. بينما يبدو أن العام 2011 أو 2012 سيشهد بلاي ستيشن 4 وإكس بوكس 720 بصورة غير متوقعة نهائيا، فلاشك بأن سوني ومايكروسوفت لن يقتصرا في الجيل القادم على صنع أجهزة أقوى تقنيا مع مساحة أكبر للتخزين. سواء أأعجبنا أم لا، ستزداد ألعاب الكاجولز وستقل ألعاب الهاردكورز تدريجيا، وستقام الفعاليات والمؤتمرات المخصصة لعرض كل ماهو جديد للكاجولز وبكثرة. هيلو 4 ورزدنت إيفل 6 وبقية الأسماء الكبيرة غالبا ستستمر في الصدور، لكن مادون ذلك فسيشح، وسيقتصر على مشاريع نادرة وموجهة مثل ميجامان 9، وسيجب علينا حينها تسليم الراية للكاجولز…الهاردكورز الجدد!