لعبة صيد الوحوش الشهيرة من شركة كابكوم تعود من جديد، سلسلة الطرف الثالث الأضخم و الأهم من بلاد الشمس المشرقة تشق طريقها و تنزع ثوبها القديم لترتدي ثوب العمالقة على الأجهزةالمنزلية، عالم صيّاد الوحوش، اللعبة التي تحمل آمال و أحلام واحدة من أكثر الشركات عراقة في عالم الألعاب، اللعبة التي تُجسد الحاضر و المستقبل لشركة كابكوم اليابانية تصدر أخيراً و ها نحن نراجعها لكم.
لهذه السلسلة تاريخٌ طويلٌ سنوجزه لكم في هذه المراجعة لتتعرفوا على المراحل التدريجية التي مرت بها واحدة من أهم سلاسل الألعاب اليابانية، بدأت هذه السلسلة دورة حياتها على جهاز سوني المنزلي البلايستيشن الثاني، و بعد النجاح الذي حققته اللعبة قامت كابكوم بإصدار جزءٍ ثانٍ على الجهاز و قد راقت فكرة صيد الوحوش للجماهير اليابانية كثيراً، انتقلت السلسلة بعد ذلك و بصورة مُفاجئة إلى جهاز ننتندو صاحب الشعبية الكاسحة الوي في ظل علاقة متينة بين كابكوم و ننتندو و نجاحات هائلة حققها هذا الجهاز، و لا ريب أن هذه الخطوة كان لها أبعاد اقتصادية أيضاً بعدم رفع تكاليف التطوير آنذاك، خاصة مع التكاليف الباهظة التي تزامنت مع صدور البلايستيشن الثالث من سوني بمعالج السيل المتوحش و الإكس بوكس 360 من شركة مايكروسوفت و الصراع التكنولوجي المحموم بين الشركتين.
مونستر هنتر الثالثة و التي كانت أولى الأجزاء لتضيف المعارك و الاستكشاف المائي حققت نجاحاً كبيراً لشركة كابكوم و نجحت في تجاوز حاجز المليون نسخة في اليابان. على أية حال، كابكوم لم تكن تعلم أنها قد وقعت على كنز ثمين و أن هذه السلسلة في طريقها لتُصبح شيئاً ضخماً جداً، كابكوم قامت بتحويل هذه السلسلة إلى جهاز سوني المحمول PSP، الطبيعة المحمولة للجهاز و اللعب الجماعي عوامل ساهمت في دفع مونستر هنتر بورتابل إلى مستويات خيالية من النجاح حيث نجحت Monster Hunter Portable 3rd ببيع قرابة 5 مليون نسخة في الأسواق اليابانية و هي أعلى الإصدارات مبيعاً هناك حتى اليوم. نعم مونستر هنتر بمفردها جعلت محمول سوني PSP جهازاً خارق النجاح في الأسواق اليابانية و منافساً و نداً حقيقياً لأجهزة ننتندو المحمولة في اليابان للمرة الأولى على الإطلاق و لينجح الPSP فيما فشلت في تحقيقه العديد و العديد من الأجهزة نذكر منها على سبيل المثال جهاز Wonderswan من شركة بانداي (قبل الاندماج مع نامكو).
كابكوم مارست عادتها بعد ذلك في الانتقال المُفاجىء من منصة إلى أخرى و قامت بتوجيه طعنة مؤلمة إلى أجهزة سوني المحمولة عندما تم الإعلان عن انتقال السلسلة إلى أجهزة ننتندو المحمولة من خلال 3DS، هذه الخطوة كانت الضربة القاضية للبلايستيشن فيتا الذي لم يتمكن أبداً من تحقيق ذات النجاحات الكبيرة التي حققها PSP في اليابان، و على الرغم من أن سوني قد حاولت جاهدة تعويض مونستر هنتر على الفيتا من خلال جلب عدة ألعاب مشابهة أو بديلة للجهاز إلا أن هذه الألعاب لم تنجح في مضاهاة شعبية مونستر هنتر الكبيرة في الأسواق اليابانية و التي أضحت اسماً عملاقاً يُقارع بوكيمون و دراجون كويست.
كابكوم قامت أولاً بإصدار Monster Hunter 3 Ultimate على ال3DS و الوي يو قبل أن تقوم بإصدار الجزء الرابع الجديد كلياً من هذه السلسلة. الجزء الرابع تخلص من المعارك المائية و قدم العالم الأضخم و المغامرة الأكبر و الأفضل في السلسلة حتى ذلك التاريخ، شركة ننتندو بذلت جهوداً كبيرة لضمان نجاح اللعبة في الأسواق الغربية و قد كانت هذه اللعبة أول مونستر هنتر في الغرب تنجح في تجاوز حاجز المليون نسخة مباعة. كابكوم بعد ذلك قامت بإصدار لعبتين فرعيتين من السلسلة للجهاز هما X و XX (الأولى صدرت تحت الاسم Generations في الأسواق الغربية) بالإضافة إلى لعبة تقمص أدوار صدرت تحت الاسم Monster Hunter Stories.
في تلك الأثناء كانت شركة ننتندو تُعاني من أوضاع صعبة للغاية، الفشل الذريع لجهازها المنزلي الوي يو، بالإضافة إلى عدم تحقيق محمولها 3DS للنجاحات المرجوة منه على الصعيد العالمي أمور ضربت ثقة الشركات اليابانية في قدرة ننتندو على الاستمرار و النجاح في عالم الألعاب، و كابكوم عادت من جديد لتغيير المعسكرات و لتتحالف من جديد مع سوني هذا الجيل، سوني التي باتت أكثر انفتاحاً و أكثر تعاوناً مع الشركات اليابانية مما كانت عليه في الجيل السابق، و نتيجة هذا التعاون كان ولادة Monster Hunter World و العودة المظفرة للسلسلة على الأجهزة المنزلية بعد طول غياب.
هذه اللعبة هي أولى الأجزاء الرئيسية التي لا يعمل عليها Kaname Fujioka مُخرج جميع الأجزاء السابقة و الذي استبدلته شركة كابكوم بالمخرج الجديد Yuya Tokuda، فيما استمر فوجيوكا في العمل على رسومات اللعبة. Monster Hunter World تم تطويرها بمحرك التطوير MT Framework الذي تم بناؤه في الجيل الماضي من كابكوم و يبدو أن المحرك الجديد الذي كان يعد بالكثير من الإبهار “بانتا ري” قد فشل تماماً و تم دفنه كلياً ليُصبح في طيّ النسيان.
إن أردنا تحليل لعبة مونستر هنتر من ناحية فلسفية أو من ناحية تصميمية بحتة فبمقدورنا القول أنها لعبة قتال زعماء و هؤلاء الزعماء هم الوحوش الذين سيكون عليك اصطيادهم، اللعبة ظلت مخلصة لهويتها الأصلية مع الانتقال إلى الجيل الجديد، سنخبرك منذ بداية هذه المراجعة بأنك إن لم تكن من محبي أو عشاق سلسلة مونستر هنتر في الماضي فلا تنتظر هذه اللعبة لتغير رأيك و إن كنت من محبي الأجزاء السابقة فأنت مُقبل على تجربة صيد وحوش كاملة الدسم و الإشباع و لعبة لا يوجد لها أي شبيه في الأسواق. لكننا نحذرك من أن مونستر هنتر لا زالت لعبة قائمة بالكامل على اللعب و رغم وجود محاولات لسرد قصة في هذه اللعبة إلا أن هذا لن يكون السبب الذي ستلعبها من أجله و لو كان هذا ما تظنه فعليك أن تحزم أمتعتك و أن تعود من حيثُ أتيت.
هذه اللعبة قدمت العديد من التحسينات مستغلة الانتقال إلى الأجهزة المنزلية كما تمنى اللاعبون طويلاً، أحد هذه التحسينات هي المناطق التي لم تعد مقسمة إلى أجزاء صغيرة كما كانت مع المحمول و إنما أصبحت مناطق واسعة متصلة و مفتوحة بالكامل للاستكشاف دون أوقات تحميل، و إن احتفظت بتقسيمها المعتاد على الخريطة التي ستساعدك في معرفة مجرى الوحوش و الطرق التي تسلكها، و عندما تكتشف موضع الوحش الذي تُكلف باصطياده على الخريطة ستتمكن من وضع علامة عليه من أجل الوصول إليه و معرفة موقعه دون البحث عنه من جديد.
المهمات الأساسية في اللعبة هي مهمات صيد الوحوش، كل وحش في اللعبة هو تجربة جديدة و مخلوق يمتلك مزايا خاصة تُميزه عن جميع الوحوش الأخرى، إن كان ذلك على صعيد التصميم، أو التحريك و الهجمات التي يمتلكها الوحش، أو القدرات و العناصر إن وُجدت، أو حتى العائلة التي ينتمي إليها إذ أن الوحوش مستوحاة و مستلهمة من العديد من المخلوقات و عائلات الحيوانات و الطيور و الزواحف و غيرها، بل و حتى المخلوقات الخيالية مثل التنانين أو المخلوقات المنقرضة مثل الديناصورات، و نحن نذكر أحد المعارك التي خضناها مع أحد الوحوش الشبيهة بالديناصورات و الذي قمنا بقتاله باستعمال سلاح المطرقة لنقوم بتكسير “رأسه” تكسيراً، و في الحقيقة فقد أصابتني الشفقة على الوحش المسكين و أنا أطحن رأسه و آثار الضربات تظهر على جسده حتى خرّ صريعاً، و لو أنني لم أتمكن من قطع ذيله في تلك المعركة لقصر مدى ضربات المطرقة و عدم وصولها إلى الذيل.
المطرقة هي أحد الأسلحة الكثيرة و المتنوعة التي تمتلكها هذه اللعبة، في Monster Hunter ليس هناك دانتي صاحب الحركات البهلوانية من ألعاب Devil May Cry و لا يوجد ضربات كومبو أو مهارات جديدة لتتعلمها، و إنما هناك الكثير من الصبر و الإتقان و تأمل هجمات الوحوش و معرفة التوقيت المناسب للهجوم أو الدفاع، و هناك كمية كبيرة من الأسلحة متاحة لك من البداية بإمكانك استعمال أي منها متى ما شئت بما يتناسب مع طريقة لعبك، هناك سيف الكاتانا الياباني و هناك السيف الضخم و الأسلحة الصغيرة ذات الحركة السريعة، و لكل سلاح أو طريقة لعب هناك مزايا و نقاط ضعف عليك أن تتغلب عليها.
هناك دورة لعب (أو دعنا نسميها loop) إدمانية للغاية في مونستر هنتر و هي مصدر الجذب الأكبر لهذه اللعبة، و على أن هذه الخلطة لا تتغير طوال الرحلة إلا أنها مسببة للإدمان، ستبدأ اللعب في المركز الرئيسي الذي يشهد تجمع الصيادين و الباحثين و ستحصل على مهمتك من هناك لتنقلك اللعبة إلى المنطقة التي سيكون عليك أن تصيد الوحش من خلالها، قتال الوحوش يُتيح لك إمكانية تكسير أجزاء من جسد الوحش و عند تكسير هذه الأجزاء ستحصل على أدوات (loots) أفضل يُمكن لك استعمالها في صناعة الدروع و الأسلحة، و ستتمكن من خلال هذه الأسلحة و الدروع من قتال وحوش أقوى و هلم جراً. أثناء قتال الوحوش ستقوم بجمع النباتات و العديد من الأشياء الأخرى من بيئة اللعب و التي يُمكنك بيعها أو صنع ادوات من خلالها، و حتى تُسهل اللعبة عملية صناعة الأدوات و تقليل الولوج المزعج إلى القوائم فإن هناك خياراً يسمح لك بصناعة الأدوات تلقائياً بمجرد جمع الأدوات المطلوبة، ياللروعة!
هناك مهام جانبية و مهام سيكلفك بها الباحثون و عند أداء هذه المهمات ستحصل على أنواع مختلفة من المكافآت مثل إضافة أطعمة جديدة يُمكن لك تناولها قبل المهمات، و هذه الأطعمة التي يقوم بإعدادها مخلوق شبيه بقط أعور! ستمنحك زيادة في عداد الطاقة أو عداد اللياقة أو ستمنحك زيادة على بعض القدرات (stats)، و هكذا هي مونستر هنتر لعبة متشعبة و مليئة بالعناصر و الاختيارات (و كذلك القوائم الطويلة!).
هذا الجزء حصل على العديد و العديد من التحسينات التي تجعله أكثر أجزاء السلسلة قابلية للوصول إلى شريحة واسعة من اللاعبين، و رغم أن اللعبة ليست سهلة التعلم على اللاعبين الجدد بأي حال من الأحوال إلا أنها باتت أيسر كثيراً من قبل و حتى انها حصلت على كاميرا focus من أجل ضبط التصويب على الوحوش و هي خاصية طالب بها العديد من اللاعبين طويلاً، و إن كانت في حقيقة الأمر لا تتناسب مع طريقة لعب مونستر هنتر التي تعتمد على أن تقوم بتوجيه الضربات إلى أماكن محددة من جسد الوحوش، الوحوش حصلت على تطويرات كبيرة للذكاء الاصطناعي كما وعدت كابكوم، و على أن الذكاء الاصطناعي لم يكن مبهراً بالنسبة لنا و شعرنا بالكثير من التكرار في سلوكيات الوحوش، إلا أنه كان من الرائع أن نشاهد الوحوش الضخمة تطحن بعضها البعض! و شعرنا أننا نخوض السفاري في أدغال إفريقيا المهيبة. كما لاحظنا أن الوحوش تُصبح عدائية للغاية عندما تحاول أن تعالج نفسك خلال القتال و ستحاول الإجهاز عليك دون أن تسمح لك بذلك، أما عندما تكثر إصاباتها و تثخن جراحها فستنسل هاربة محاولة استجماع قواها من جديد.
تم بناء هذه اللعبة على محرك كابكوم للجيل السابق و الحقيقة أن هذا الأمر ينعكس بوضوح في بيئة اللعبة و الأنسجة الرسومية (تكستشرز) التي لا تبدو بتلك الجودة، نعم ولّت تلك الأيام التي كانت فيها كابكوم هي تلك الشركة التي تقوم بحلب قدرات الأجهزة حتى آخر قطرة لتخرج بمستويات بصرية مُفككة للعقول، و رغم ذلك فإن جمالية التوجه الفني و التفاصيل في المناطق تعوض ذلك تماماً و تخلق عالماً جميلاً للاستكشاف، و على أية حال فإن هذا العالم لم يكن ضخماً بنفس الدرجة التي كنا نتوقعها و إنما كانت مناطق اللعب صغيرة بعض الشيء مقارنة بما تقدمه ألعاب الفيديو المتقدمة.
تحريك الشخصية الأساسية يبدو ناعماً و التحكم أصبح أفضل بكثير من السابق، نعم، قولوا وداعاً لتلك الأيام السوداء التي كنتم تصارعون فيها الكاميرا و منظومة التحكم على أجهزة PSP و 3DS، الآن أصبحت مونستر هنتر لعبة عصرية مع تحكم فاخر و يكفي أن تقوم بالركض مع تحديد الاتجاه و ستجد شخصيتك الرئيسة تتسلق، تقفز، و تتأرجح بين الأشجار على غرار طرزان بمنتهى السلاسة و الخفة. تقدم هذه اللعبة تمثيلاً صوتياً باللكنة الأمريكية إلا أن هناك العديد و العديد من الحوارات التي لم يتم تمثيلها، و ألبوماً موسيقياً لم يلفت انتباهنا كثيراً و لا نتذكر منه شيئاً رغم أننا لم نقم بإغلاق البلايستيشن الرابع منذ فترة طويلة.
في ختام هذه المراجعة دعونا نوجه بعض اللوم و العتاب إلى Monster Hunter World، اللعبة التي و رغم أنها حققت النجاح الكامل في نقل هذه السلسلة المحبوبة إلى الأجهزة المنزلية، إلا أنها لم تجرؤ على القيام بأية تجديدات جوهرية على صعيد اللعب، و بعد كل هذه الإصدارات فلا شك أننا بتنا بحاجة إلى ضخ دماء التجديد الذي نرحب به دائماً في عالم الألعاب، تلمسنا جلياً الكثير من التحسينات و الكثير من التعديلات و لا شك أن كابكوم لم ترغب بالمخاطرة بعدم إرضاء جمهورها المخلص الذي رافقها طوال هذه السنوات في رحلات صيد الوحوش، إلا أن القدرات التي تقدمها الأجهزة المنزلية تفتح آفاقاً وسيعة أمام سلسلة موسنتر هنتر، و منها الحصول على عوالم أكبر و مهام أكثر تفاعلية و تنوعاً و قوائم أقل تعقيداً و حشواً. كما أننا شعرنا بالضيق من بعض المحدوديات التي فرضتها اللعبة و التي تبدو لنا بالية للغاية و غير لائقة بطرق التصميم العصرية للألعاب مثل تحديد مهمات الصيد الأساسية بحاجز زمني يبلغ 50 دقيقة أو الخسارة 3 مرات.
Monster Hunter World هي أضخم ألعاب كابكوم لهذا الجيل و أكثرها أهمية، و عنوانٌ جديد يُثبت حرفنة هذه الشركة و خبرتها الطويلة في صناعة الألعاب ذات الجودة العالية ، مونستر هنتر تُطلّق الأجهزة المحمولة و تعود إلى بيتها القديم على الأجهزة المنزلية لتتألق من جديد و لتسترجع الثقة الضائعة للمطور الياباني بقدراته الكامنة، هذه ليست إلا البداية و المُستقبل يُبشّر بالكثير.