انضموا إلينا في هذه الرحلة عبر الزمان و المكان، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الغرب الأمريكي الموحش، إلى الريف و تلك البراري الخضراء و الهضاب المرتفعة، هلموا بنا إلى ذلك الزمان قبل أن تطمس الحضارة الإنسانية جمال الطبيعة، إلى العام 1899م، لنتعرف على عصابة داتش فاندر ليند في أضخم ألعاب روكستار لهذا الجيل.
كما اعتدتُ في مراجعاتي للألعاب الضخمة فالبداية أولاً مع تسليط الضوء حول الأعمال السابقة للاستوديو، و الموظفين الذين عملوا على هذا المشروع الضخم، و الحيثات التي قادت إلى تطوير هذه اللعبة الطموحة. القصة تبدأ مع الاخوة سام و دان هاوسر من الربوع الإنجليزية، هذا الثنائي الذي قام بتأسيس و بكتابة كافة ألعاب روكستار الأساسية و بالأخص الشقيق الأصغر دان هاوسر الذي عمل ككاتب رئيس.
دان هاوسر و سام هاوسر كلاهما ارتاد أرقى الجامعات في بريطانيا، أكسفورد و كامبردج، و كلاهما كان مولعاً منذ الطفولة بقصص الجريمة و أعمال الغرب الأمريكي، علماً أن والدتهما هي الممثلة Geraldine Moffat. سام و دان شاهدا الكثير و الكثير من الأفلام مع وجود مكتبة لأفلام الفيديو بالقرب من منزلهما و لا شك أن هذا قد انعكس جلياً على أعمال الثنائي عندما تم تأسيس شركة روكستار التي ركزت على أعمال الجريمة بالكامل طوال كل هذه السنوات.
تم تأسيس شركة روكستار غيمز في العام 1998 عن طريق سام و دان هاوسر خلفاً لشركة BMG Interactive كأحد الشركات الفرعية التابعة لمجموعة Take Two التجارية، و منذ ذلك الحين انطلقت حكاية الشهرة و النجاح التي لم يتصورها أحد، انطلقت حكاية نجاح الشركة التي تتربع على عرش المبيعات و الأداء التجاري من بين جميع شركات ألعاب الفيديو، و بينما كانت سلسلة Grand Theft Auto هي النجم الألمع لشركة روكستار و الاسم الأضخم، إلا أن هناك عنواناً آخر بدأ يتضخم و يصنع لنفسه جمهوراً عملاقاً و هذا العنوان هو تابع لسلسلة Red Dead.
الطريف في الأمر أن سلسلة Red Dead لم تبدأ دورة حياتها حقاً لدى شركة روكستار، بل هي واحدة من السلاسل التي أتت بها شركة كابكوم اليابانية عندما قامت بدأت بتطوير هذه اللعبة كوريث روحي للعبة Gun.Smoke التي صدرت على الآركيد عام 1985، و قد بدأت التطوير لدى استوديو Angel Studios (الذي أصبح فيما بعد روكستار سان دييغو). شركة كابكوم قررت إلغاء المشروع بعد ذلك و تم بيع الحقوق لشركة روكستار التي قامت بتطوير اللعبة و نشرها تحت الاسم Red Dead Revolver.
حسناً، بداية الشهرة و المجد لهذه السلسلة كانت عندما قامت روكستار بإطلاق Red Dead Redemption على أجهزة الجيل الماضي، الإكس بوكس 360 و البلايستيشن الثالث في العام 2010، هذه اللعبة حققت نجاحاً كبيراً و تمكنت من بيع أكثر من 14 مليون نسخة، الجماهير أحبت هذه اللعبة كثيراً و بالأخص قصة الشخصية الأساسية John Marston الذي يحاول اصطياد أفراد عصابته السابقين من أجل تحرير زوجته أباغيل و ابنهما جاك من براثن الحكومة الأمريكية.
من الممكن النظر إلى سلسلة Red Dead على أنها البديل التوأم لسلسلة Grand Theft Auto في الغرب الأمريكي القديم، فهي تستلهم و تشتق أساسات اللعب و الأفكار التي تواجدت في تلك السلسلة و تبني عليها لتقديم تجربة أخرى، ففي هذه اللعبة سيقوم اللاعب بركوب الخيل و استخدامه للتنقل بين الأماكن المختلفة في عالم اللعبة عوضاً عن السيارات، و سيحصل على المهمات بالذهاب إلى أماكن محددة على الخريطة، و غير ذلك من الأفكار التي ألفها اللاعبون من روكستار على مدار السنوات.
Redemption (المصطلح الذي نجد صعوبة كبيرة في العثور على مرادف له باللغة العربية) هو العنوان الذي حافظت عليه روكستار في هذه اللعبة، و هو العنوان الذي يرتبط بصورة جوهرية مع الشخصية الأساسية للجزء الأول جون مارستون، و كذلك مع بطل حكايتنا هذه “آرثر مورغان”. آرثر، هو الذراع اليمين لرئيس العصابة “داتش فاندر ليند” صاحب الكاريزما الساحرة و الشخصية الجذابة، العصابة التي تضم أيضاً جون مارستون و عائلته، و بيل ويليامسون، و خافيير، و تشارلز، و ليني، و الأرملة سادي آدلر، و آخرون. هذه العصابة التي ستقضي معها الكثير من الأوقات، و التي ستشارك أفرادها الحُلو و المرّ.
لهذا، نبدأُ مراجعتنا، و على غير العادة، بالحديث عن الجانب القصصي في هذه اللعبة عوضاً عن طريقة اللعب، و التي سنتحدث عنها في وقتٍ لاحق. لأكن واضحاً من البداية، أنا لم أكن يوماً من أكبر المُعجبين بالحكايا التي ترويها روكستار في ألعابها، الحكايا كانت تخلو من الجانب الإنساني، كانت غير قابلة للتصديق، و الشخصيات كانت سطحية و أحادية الجانب للغاية. هذا عزيزي القارىء، كان رأيي قبل أن أقوم بإنهاء Red Dead Redemption 2، لأن هذه اللعبة هي قمة حكايا روكستار حتى يومنا هذا، و هي اللعبة التي ارتقى مستوى الشركة خلالها كثيراً من ناحية السرد القصصي، لتضع نفسها بمصاف عمالقة الرواة في عالم الألعاب.
هذا لأن روكستار، في العام 2018، ربما لم يعد بمقدورها أن تُطوّر لعبة تُمجد عالم الجريمة كما كانت تفعل في الماضي، لأن روكستار أصبحت تنظر إلى الجانب الإنساني، ما معنى أن ترتكب الجرائم، ما معنى أن تسفك الدماء أو أن تسرق تعب الغير. هذه الأسئلة، التي لم يطرحها أبطال روكستار السابقين، هذه الأسئلة تلعب دورها لتضرب عصابة “داتش فاندر ليند” في الصميم، و في أعمق الأعماق.
هذه العصابة، تضم مجموعة من الأشخاص غريبي الأطوار، مجموعة لم يعد لها مكان في المجتمع البشري، لم يعد لها مأوى، إلا تحت جناح و حماية صاحب الكريزما العالية “داتش”. لدينا الأرملة سادي آدلر (Alex McKenna)، التي قُتل زوجها على يد عصابة “كولمز أودريسكول” عدو “داتش” اللدود، و التي أرادت الانتقام من هذه العصابة مهما كان الثمن، و لدينا تشارلز سميث (Noshir Dalal)، الأمريكي الإفريقي من ناحية الأب، و الأمريكي الأصل من ناحية الأم، هذا جعل تشارلز لا ينتمي حقاً إلى أي من الاثنين، خاصة مع العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء، إن المأوى الوحيد لتشارلز، هو أيضاً في عصابة “داتش”.
لدينا العجوز هوسيه، صمّام الأمان للعصابة بحكمته و رويّته، و الذي تتوازن آراؤه مع الآراء الاندفاعية لداتش، و لدينا بطل الحكاية “آرثر مورغان”، الذي هو بمثابة الذراع اليمين لداتش، و الأكثر جدارة بالثقة، آرثر صاحبُ بنية جسدية قوية، و هو أبرع الرماة في عصابة داتش، كما أنه شديد الولاء للأخير! الولاء، أحد المواضيع القصصية الجوهرية في حكاية Red Dead Redemption 2، الولاء، الذي يُثمّنه رئيس العصابة “داتش” كثيراً.
إن Red Dead Redemption 2، ليست حكاية “آرثر مورغان” لوحده، بل هي حكاية العصابة بأكملها، هي حكاية العصابة التي أضحت تعيش في زمانٍ هو ليس بزمانها، قد ولّت تلك الأيام الذهبية للمُجرمين و الخارجين عن القانون، ولّت تلك الأيام لعشّاق المغامرات، كل هذا مُهدد بالفناء مع تطور الحياة البشرية، مع بزوغ الجهات الأمنية، و القوات الحكومية، مع مشاريع الأثرياء و استخراج البترول، مع تطور وسائل النقل. نعم، حياة الريف و المزارع، حياة رعاة البقر أصبحت تعيش أيامها الأخيرة.
هكذا تبدأ حكاية اللعبة، تلك البداية الرائعة التي ستُجمد الدماء في عروقك، و ذلك إثر فرار أفراد العصابة بعد فشلهم في عملية سرقة في Blackwater. أفراد العصابة مطاردون و هاربون وسط عاصفة ثلجية كثيفة فاجأتهم في مطلع فصل الربيع. ما بين الخسائر البشرية، ما بين المفقودين، ما بين الآلام التي تسبب بها البرد القارس، يجد أفراد العصابة أنفسهم مُطاردين، مُلاحقين من القانون الشرس الذي لا يرحم منذ بداية اللعبة.
حسناً، هذا ليس بجديد! لطالما تعرّض أفرادُ عصابة “داتش” إلى المتاعب، و لطالما تخلصوا منها بفضل دهاء قائدهم و براعته في إطلاق النار، هذا ما أبقى المجموعة متحدة، و هكذا بدأ أفراد العصابة في التعاون من أجل الخروج من هذا المأزق، بينما يقول داتش بثقة: “خارجون عن القانون… مدى الحياة!”.
كما أسلفنا الذكر، إن نقطة القوة الكبيرة للقصة التي ترويها Red Dead Redemption، أنها قصة إنسانية بصورة بارزة، أن شخصيات العصابة، لديهم معاناتهم الخاصة، لديهم آلامهم، لديهم شكوك و مخاوف، كل هذا يتعاظم مع المضي قدماً في اللعبة، كل هذا يزداد عندما يبدأ كل شيء بالانهيار، كل هذه الصراعات و الاضطرابات، تتجلى بصورة رائعة مع تقدم الأحداث!
و لعلّ أحد اللحظات التي لن تنساها أبداً في اللعبة، هي تلك اللحظة التي تتحكم فيها بشخصية آرثر أثناء امتطائه لجواده الوفي، آرثر، الذي يرزخ تحت وطأة الهموم في تلك الظروف اليائسة التي تمر بها العصابة التي تكبدت خسائر فادحة: ملاحقون من القانون، ملاحقون من بقية العصابات، و منبوذون من المجتمع. في ظلّ المعاناة، في ظل التفكير و الشكوك في طريقة الحياة بأكملها، في ظل العيش في مجتمع لم يعد لك فيه مكان، و أصبح أمثالك من الماضي، تعمل تلك الأغنية الساحرة May I Stand Unshaken، لتجعلك تصيح من أعماقك: قف يا آرثر، انهض، قاتل و لا تستسلم! قف ثابتاً و لا تهتز!
هذه المعاناة، هذا الصراع بين المبدأ و اللامبدأ، بين تحقيق رغبات الفرد و تفضيل مصلحة المجموعة، هذه العلاقات المُمزقة، هي سر قوة و روعة الحكاية التي ترويها Red Dead Redemption 2، و لم يكن هذا ليتحقق، لولا أن دان هاوسر و رفاقه تمكنوا من العناية بالنصوص عناية فائقة، و لعلّ أحد نجوم الحكاية البارزين هو “داتش فاندر ليند” بنفسه، الذي يُعامل بقية أفراد العصابة مثل الأبناء، و يعاني هو الآخر، ليلم شتات هذه العصابة التي تتعرض لصراعات دامية. داتش، الذي يُخبر أحد الأثرياء في اللعبة: “أنا أسرق و أقتل، و أنت تسرق و تقتل، إلا أن الفرق بيني و بينك، أنني أختارُ من أسرق و أقتل، أما أنت، فأنت تُدمّر كل ما يقف في طريقك!”.
حسناً، بعد أن أغرقنا القصة بالمديح، علينا أن نُشير إلى الجانب الذي لم يرق لنا من ناحية السرد القصصي، و هو التعارض بين مفهوم Red Dead Redemption 2 كلعبة، و Red Dead Redemption 2 كقصة. في هذه اللعبة، سيكون بمقدورك أن تُساعد الناس، أن تنقذهم من قطاع الطرق، أو حتى أن تساعدهم في احتياجاتهم الخاصة الصغيرة، و هذا يتعارضُ حقاً مع ما يقوم به آرثر في مهمات اللعبة من سطو و نهب و قتل. إن هذا التعارض بين “اللعبة” و بين “القصة”، تكرر لمراتٍ عديدة في السنوات السابقة، و نحنُ نأمل أن يتمكن المطورون في المستقبل، من الموازنة بين هذه الأمور، فلا يُعقل أن يكون آرثر حنوناً، و عطوفاً على عامة الناس، و قاتلاً سفاكاً للدماء في ذات الوقت!
و بالحديث عن الأحداث الجانبية الصغيرة، فإن هذه الأحداث قد تكون الإضافة الأذكى في لعبة Red Dead Redemption 2 لصنف العالم المفتوح، هذه الأحداث تستعير فكرة المهام الجانبية العشوائية التي كنا نحصل عليها في ألعاب مثل Skyrim، إلا أنها ليست مهام جانبية، و يُمكن للاعب أن يتجاهلها كلياً، و إن قام بالاستجابة لها، فإنها قد لا تمنحه أي مكافأة، هذه الأحداث تُعطي الشعور بأن اللعبة ديناميكية و متفاعلة، و بأن هناك العديد من الأحداث التي تجري في عالم اللعبة.
على سبيل المثال، لا ننسى حين قمنا بمساعدة شخص سقط عن حصانه و جُرحت ذراعه، و قمنا بنقله إلى الطبيب الموجود في مدينة سان ديني، الطبيب قام بعلاجه و بتر ذراعه أيضاً… هذا حدث تفاعلي حصل أثناء تجوالنا في عالم اللعبة فحسب، و لم يكن جزءاً من مهمة جانبية و لا ما شابه، و نحن نعتقد أن هذه الأحداث الجانبية، التي يتم تسخيرها لبناء العالم و خلق الإحساس بالديناميكية فيه، هي الإضافة الجوهرية الأساسية من Red Dead Redemption 2 لألعاب العالم المفتوح، هي البصمة الخاصة بهؤلاء المطورين لدى روكستار، الذين أرادوا أن يكون لهم حضور و شخصية في هذا الصنف من الألعاب، لا أن يكتفوا باستنساخ أفكار الغير. مشكلة هذه الأحداث أنها ليست متنوعة بما يكفي، و تتكرر كثيراً.
هذه الأحداث الصغيرة تؤثر على مقياس Honor أو الشرف لدى شخصية آرثر، كلما تصرفت بدافع حب الخير و كنت متعاوناً كلما ازداد هذا العداد، و كلما تصرفت بصورة لا أخلاقية (سرقة الآخرين و قتلهم) كلما تناقص العداد، و هذا سيؤثر بصورة مُباشِرة على النهاية التي ستحصل عليها. نحن ننصحكم أن تلعبوا مع رفع عداد الشرف بقدر الإمكان، لتحصلوا على النهاية الجيدة كما فعلنا، إذ أن النهاية السيئة مستفزة للغاية.
فيما يتعلق بالمهام الأساسية لقصة اللعبة، فستبدو هذه المهام مألوفة لأي شخص لعب شيئاً من ألعاب روكستار السابقة. ستعاون أفراد العصابة في عمليات نهب و سطو و احتيال متنوعة، و بالطبع، فإن مهمة سرقة البنك الكلاسيكية من ألعاب روكستار موجودة أيضاً، بل و سيكون بإمكانك أن تسطو على قطارٍ أيضاً.
لنكن صريحين، لم تعجبنا طريقة تصميم مهام اللعبة كثيراً، و شعرنا أنها تبدو قديمة للعبة عالم مفتوح تأتي في العام 2018. من الصعب قبول الطريقة الخطية و المقيدة لتنفيذ أغلب هذه المهام، و التي تتحكم في اللاعب و تُقيده كثيراً، حيث ستُملي عليك اللعبة كيف عليك أن تلعب و كيف عليك أن تتحرك طوال الوقت، مع منحك اختيارات بسيطة لا قيمة حقيقية لها، مثل أن تختار الطريق الأيمن أو الأيسر، أو أن تقتل العدو على اليمين أو اليسار، أو أن تترك الشخصية المرافقة تقوم بذلك عوضاً عنك، و ما إلى ذلك.
و على سبيل المثال، فإن أحد المهمات فشلت عندما توقفتُ لفترة بسيطة حتى أقوم بجمع المال و الأشياء من جثث الأعداء، و ذلك لافتراض اللعبة أنني تأخرتُ عن هدفي! هذا ما كان ليحصل لولا أن عملية جمع الأشياء بطيئة للغاية، بطيئة، كما هو الحال مع كل شيء في هذه اللعبة، كل شيء في Red Dead Redemption 2 يتطلب وقتاً. رغم ذلك، لا نُريدكم الظن بأن الوقت الذي قضيناه مع المهمات كان سيئاً، فالحقيقة هي نقيضُ ذلك. الأجواء التي تخلقها هذه المهمات رائعة، لا سيما مع التوظيف الذكي للموسيقى الرائعة، التي ستجعلكم تشعرون أنكم أحد أبطال أفلام الغرب الأمريكي القديم، و كذلك مع البناء المتواصل و المستمر لعالم اللعبة، شخصيات العصابة، و علاقاتهم.
من أجل زيادة انغماس اللاعب في العالم، و زيادة خلق الشعور بواقعية عالم اللعبة، فقد قام مصممو روكستار بتدشين تحريك (animation) قصير لكل ما تنفذه في اللعبة: جمع الأشياء من الأعداء، طهو الطعام و التهامه، تنظيف الخيل المرافق لك، بل و حتى تنظيف السلاح الذي تحمله. هنا يأتي الحديث عن عناصر المُحاكاة الموجودة في اللعبة، و التي تهدف تعزيز الشعور بواقعية اللعبة، و كما أشرنا، تُضيف لمسة مطوري روكستار الخاصة على هذا الصنف من الألعاب.
على أية حال، عناصر المحاكاة، و البطء المتعمد في اللعبة، هي نقاط أثارت جدل اللاعبين، و ستبقى مثيرة للجدل لفترة طويلة، و لكنها في منظورنا الشخصي، رسّخت التجربة التي أراد المطورون خلقها. مع ذلك، نفضل لو منحتنا اللعبة مستقبلاً طريقة لتجاوز مقاطع التحريك القصيرة عندما نرغب في ذلك.
الآن بمقدور بطلنا آثر أن يتناول الطعام، يُمكن لآرثر أن يقوم باصطياد الحيوانات من عالم اللعبة، و من ثم التخييم على الأعشاب في الهواء الطلق، و القيام بشوي اللحم و التهامه أو حفظه. يُمكن لآرثر التهام الأطعمة المعلبة أيضاً، أو احتساء الشراب، أو التدخين، أو جمع الأعشاب و استخدامها في الطهو، أو حتى اصطياد الأسماك.
هذه المأكولات و المشروبات تؤثر على العدادات الأساسية الثلاثة لآرثر: عداد الصحة (Health Core)، و عداد اللياقة (Health Core)، و عداد Dead Eye (خاصية الوقت البطيء). عندما تمتلىء هذه العدادات، ستمتلىء صحة أو لياقة آرثر بصورة أسرع. النوم يُمكن له أن يؤثر على ذلك أيضاً.
نحن سعداء لأن روكستار لم تُهمل اللعب و الأنشطة الجانبية في Red Dead Redemption 2، رغم اهتمامها الكبير بالسرد القصصي، نحن دائماً و أبداً من أنصار و عشاق اللعب، و نرحب دائماً باللعبة الجيدة، و لا نُحب أن تضحي اللعبة بعناصر اللعب من أجل القصة. في RDR2 يُمكنك فعل الكثير، الصيد يعود من جديد و أكثر واقعية و جمالاً مما كان، حيث وضعت روكستار عدداً كبيراً جداً من المخلوقات في عالم اللعبة.
سيكون عليك أولاً أن تتفحص هذه المخلوقات و أن تقوم بدراستها، و من ثم سيكون بمقدورك أن تقتفي أثرها، نعم يمكنك أن تقتفي أثر أي حيوان حتى تصل إليه، و بعد ذلك ستقوم بإطلاق النار عليه (أو الأسهم)، و إن لم يمت ستسمع أنينه المتألم، و سيكون عليك أن تقوم بالإجهاز عليه. كان من الرائع أن نحمل جسد ذلك الغزال ذو اللحم الشهي، و نضعه فوق الحصان، و من ثم نحمله إلى مُخيم العصابة لنتبرع به إلى “بيرسون” الجزار. المتعة القصوى في الصيد، تتخلص في محاولة اصطياد الحيوانات الأسطورية، المتفردة عن جميع الحيوانات الأخرى في اللعبة، و التي ستتطلب منك تقفي أثرها ببراعة و صبر.
من الصعب الحديث عن كافة جوانب اللعب في RDR2، فنحن نُعد مراجعة لا دليلاً للعبة، لكننا نُريد أن نُشكل صورة عما ينبغي توقعه في هذه اللعبة. النشاطات الموجودة في اللعبة هي نشاطات فرعية، و هي موجودة لمنحك الكثير من الأشياء التي تستطيعُ أن تقوم بها في عالم اللعبة. يُمكنك أن تلعب الدومينو، الألعاب الورقية، يُمكن أن تخوض بعض سباقات الخيل أو تحديات إطلاق النار، يُمكنك ان تجمع البطاقات المتناثرة في عالم اللعبة، أو حتى أن تقوم بتقفي أثر مُجرمٍ متسلسل. الأمر الذي أثار إعجابنا أن هذه النشاطات لا تبدو و كأنها “وظيفة” جانبية نقوم بها، ليس هناك حشو للقوائم بعدد كبير من المهمات، ليس هناك شعور بأن ما تقوم به في اللعبة، كل شيءٍ تم تصميمه ليكون انسيابياً و ذا مغزى. نعم، هذه لعبة أذكى من أن تُثقل كاهلك بالقوائم المتراكمة.
من أنظمة اللعب الجديدة التي حصلت عليها هذه اللعبة هو نظام مركز العصابة، و سيكون عليك العودة إلى هذا المركز كثيراً أثناء اللعبة من أجل الحصول على مهمات إضافية، أو التفاعل مع بقية أفراد العصابة، أو للتبرع بالموارد و المال. يُمكنك ترقية هذا المخيم بطرق عديدة و تزويده بالإمدادات من الأغذية و العلاجات و الذخيرة، و هذا سيؤدي إلى أن يكون أفراد العصابة أكثر سعادة و سينعكس ذلك على سلوكهم تجاهك، لكننا نود الإشارة إلى أن هذا هو اختياري، و يُمكن لك أن تتجاهل المخيم بصورة كبيرة أيضاً و ستسمع الشخصيات تُعلق على ذلك.
حسناً، كعادة ألعاب روكستار تُقدم RDR2 نظاماً متماسكاً و دقيقاً للتصويب، مع مُساعدة تلقائية يُمكن إغلاقها للمحترفين، و يُمكن لآرثر استعمالُ عدد كبير من الأسلحة النارية، أو البيضاء، أو العراك بالأيدي على غرار ألعاب Naughty Dog. سيكون على اللاعب أن يقوم بتنظيف أسلحته من وقت لآخر حتى يُحافظ على جودتها، و إلا فسيتراجع أداؤها، كما يُمكن ترقية هذه الأسلحة و تركيب القطع عليها لتحسينها. كذلك يُمكن لآرثر أن يقوم باستعمال سلاحين في آنٍ واحد لإطلاق النار بصورة متتالية و كثيفة. أيضاً، بات بمقدور آرثر السباحة، لكنه لن يتمكن من الغوص، و على أية حال فنحن لم نستخدم السباحة كثيراً في اللعبة.
صنعت روكستار في هذه اللعبة نظاماً خاصاً بالخيول، و خلقت الخيول الأكثر واقعية في ألعاب الفيديو. هناك عداد طاقة و لياقة خاصين بالحصان الذي تملكه، و يعمل الحصان في اللعبة كمخزنٍ صغيرٍ متنقلٍ للأدوات و الأسلحة. الحصان يتحرك بصورة واقعية للغاية، يرتجف و ينتفض، و يصهل باستمرار، و حتى أنه يقوم بإخراج الفضلات. نعم، هذا هو ذلك النوع من التفاصيل الدقيقة الذي برعت فيه روكستار على مدار السنين. سيكون بمقدورك تنظيف الحصان الخاص بك، و إطعامه أنواعاً مختلفة من المأكولات، و كما هو الحال في أسطورة زيلدا نفس البرية، ستتمكن من استعادته إذا فقدته عن طريق الإسطبلات. كما سيكون بمقدورك شراءُ غيره، أو ببساطة ترويض حصان بري، و سيُصبح مُلكك عندما تضع السّرج فوقه. السرج يعمل كحقيبة أدوات يُمكن للاعب الحصول على المزيد من الأسلحة عن طريقه عندما يعود إليه.
حسناً سنُخصص هذه الفقرة للحديث عن عيوب و سلبيات اللعبة، نحنُ نشعر بالأسف حيال ذلك و لم نكن نتوقع أن نكون بحاجة إلى تخصيص فقرة كاملة لعيوب لعبة مثل Red Dead Redemption 2 لكن اللعبة مليئة بالمنغصات الصغيرة، تحدثنا عن الطريقة المقيدة في تصميم المهام إلا أن هذا ليس كل شيء، هناك أيضاً الحركة البطيئة “للغاية” لشخصية آرثر، نعم آرثر يتحرك مثل السلحفاة في مخيم العصابة و بصورة عامة فإن كل شيء في Red Dead Redemption 2 يستغرق وقتاً أطول من اللازم.
أحد المشاكل التي خلقها البطء المتعمد للعبة هي مقاطع التحريك (animation) القصيرة لكل ما يقوم به آرثر في اللعبة، و بحد ذاتها فإنها قد لا تكون مشكلة، إلا أن سلبيتها تتجلى عندما تكتشف أنك لا تستطيع أن تقوم بإلغائها، و على سبيل المثال فقد يُهاجمك شخصٌ ما و يُرديك قتيلاً و أنت تقوم بعمل loot لجسد أحد الأعداء و غير قادر على إلغاء ذلك. نحن نرحب بنوعية التجربة القابلة للتصديق التي أرادت اللعبة خلقها لكننا نؤيد أيضاً أن تكون اللعبة متجاوبة مع ما نُريد فعله بطريقة أكثر سلاسة.
المشكلة الأخرى التي واجهناها مع اللعب كانت في نظام Wanted و الذي تسبب لنا بالكثير من المشاكل، و شعرنا أن بعض الشخصيات غير القابلة للعب عدوانية للغاية و على استعداد لإطلاق النار علينا حتى عندما ندوس على حذائها! ليس هكذا تكون الروح الرياضية يا رفاق. أقل احتكاك مع هذه الشخصيات كان يجعلنا ملاحقين من قبل القانون. في أحد المرات قمت بقتل و نهب أحد المارة على قارعة الطريق (الحاجة للمال و ما تفعل!) و قمت بحمل جثته و إخفائها و على الرغم من ثقتي من خلو المكان فقد تم التبليغ عن جريمتي النكراء بطريقة مجهولة. أسوأ ما في الأمر أن كونك مطلوباً يعني أنك لن تكون قادراً في بعض الأحيان على الحصول على مهمة قصصية جديدة أو عدم قدرتك على استخدام بعض المتاجر.
أخيراً، و على الرغم من إعجابنا الكبير بقصة اللعبة الرائعة و طريقة السرد المميزة فيها، و بالأخص في الفصل الأخير منها، فإن الفصل الخامس كان عديم الجدوى و لم يُضف شيئاً لا للقصة و لا للتجربة الكلية.
حسناً دعونا من العيوب و لنتحدث قليلاً عن الجانب التقني لهذه اللعبة. Red Dead Redemption بحق هي واحدة من أفضل الألعاب مظهراً إن لم تكن الأفضل على الإطلاق، ليس بمقدورنا أن نستوعب كيف تمكن مطورو روكستار من الوصول إلى هذا المستوى المذهل من العبقرية، هذه اللعبة تبدو واقعية بشكل لا يُصدق و كأنها أحد أفلام المُخرج الإيطالي الرائع سيرجيو ليوني، فقط انظروا إلى قبعة آرثر المُستديرة و الخيوط التي تتدلى منها و تهتز بكل واقعية مع الحركة! الشخصيات تبدو واقعية للغاية و مُجسدة بأدق التفاصيل من البشرة و الجلد و الشعر و حتى الشارب المفتول لزعيم العصابة “داتش” يبدو مرسوماً بدقة.
انظروا إلى هذه البيئة الخلابة، تلك الطبيعة الخلابة التي سبقت العمران و الحضارة، تلك الأشجار التي تناطح قممها السماء و المزارع الممتدة على مرمى البصر، تلك الأكواخ و البيوت الخشبية الجميلة، تلك السهول و الحقول و البراري و الوديان و الشطآن. هذه اللعبة ليست في مستوً آخر فحسب على صعيد الرسوم و البيئة التي تضخ الحياة في لوحات القرن التاسع عشر بل هي أيضاً لعبة نابضة بالجمال و الألوان على النقيض مما كان عليه الجزء الأول بألوانه البنية الباهتة.
قمنا باللعب على جهاز Playstation 4 العادي و أثبت هذا الجهاز العتيد أنه ما زال صامداً و ما زال قادراً على تقديم رسومٍ مُبهرة حتى بعد خمس سنواتٍ من صدوره، أداء اللعبة كان ثابتاً للغاية و لم نواجه تباطؤاً في اللعبة إلا في مدينة سان ديني الجميلة بعرباتها و سككها الحديدية و سكانها الأثرياء بالغي الأناقة تماماً كما صورتها لنا روايات الأدب العالمي، هناك مؤثرات فيزيائية متقنة في اللعبة حيثُ تتحطم الأخشاب عند تعرضها للاصطدام أو إطلاق النار، أما الإضاءة فهي ديناميكية و واقعية بصورة كبيرة و حتى أن ضوء القمر حصل على اهتمامٍ خاص. حتى الحيوانات الموجودة في اللعبة فقد تم رسمها بعناية و بأدق التفاصيل خاصة من ناحية الجلد أو الفرو. نعم روكستار ضخّت الكثير من الأموال و بذلت مجهودات هائلة في هذه اللعبة و لا شك أن هذا الاستثمار الضخم سيخدمها لسنواتٍ عديدة قادمة. حتى نسخة Xbox One X تعمل بدقة 4K حقيقية و هو أمر ظنّه الكثيرون مستحيلاً مع هذه الرسوم الخارقة.
و بالطبع فإن روكستار وضعت عناية كبيرة بالأصوات كما هو الحال مع الرسوم، الموسيقى التي تم تقديمها في هذه اللعبة هي الأفضل من بين جميع ألعاب روكستار حتى الآن و هي تقوم بدورها في خلق أحاسيس الغرب الأمريكي كما جسدتها أفلام السينما على مدار السنوات، و قد قامت روكستار باستعمال هذه الموسيقى بصورة مكثفة في مهمات القصة لتمنحها طابعاً خاصاً، أما أداء الأصوات فقد كان عالي الجودة لبعض الشخصيات و متوسطاً أو دون المتوسط لبعضها الآخر، و لعل أفضل أداء صوتي في اللعبة يعود إلى Benjamin Byron Davis مؤدي صوت “داتش فاندر ليند”. نعم صدق ذلك عزيزي القارىء بنيامين دافيس قام بأداء صوتي مذهل و استخدم طبقات صوته المتعددة في تصوير مختلف الانفعالات للشخصية خلال أحداث القصة.
تتجلى عبقرية هذه اللعبة في جلب العديد من المزايا التي ظهرت في ألعاب تقمص الأدوار الغربية على مدار السنوات الفائتة (مثل العالم المتفاعل و تأثير قرارات اللاعب) و نقلها إلى تجربة روكستار الكلاسيكية دون التخلي عن جوهر هذه التجربة و قلبها النابض: جنرا الحركة أو الأكشن. إن هذه اللعبة هي إنجازٌ حقيقي لعالم الألعاب، إنّها ضربٌ من الخيال و آيةٌ في التقدم التكنولوجي الذي وصل إليه بنو الإنسان.
تمت مراجعة هذه اللعبة على جهاز PS4 بنسخة حصلنا عليها من الناشر.