الـ Cyberpunk هي واحدة من أشهر الثيمات وأحبها لكتاب الخيال العلمي. ما بين الروايات والأفلام والألعاب، لطالما ابدى الناس حباً خاصة للمدن المستقبلية الديستوبية، التي يسكنها بشر معدلون جينياً وتقنياً للدرجة التي تطرح السؤال ان كان يصلح فعلاً ان يتم تسميتهم بشر، يعيشون حياة لا حرية ولا خصوصية فيها تحت ظلم حكم الشركات العملاقة وثقافة الإعلانات الرأسمالية. الـ Cyberpunk لطالما كانت نقداً لتضخم المؤسسات الربحية، وتخيلاً لكيف ستؤول الأمور ان بقينا متجهين في نفس الاتجاه بنفس الرتم. مشكلة التصنيف، خصيصاً بألعاب الفيديو، هو كونه دائماً يضعك بمنظور شخصية استثنائية. جندي معدل جينياً في مهمة، أو محقق تقوده أدلته الى مؤامرة كبرى، وأنا اعشق هذه القصص، لكن أحياناً تتساءل، كيف ستكون تجربة العيش في عالم مثل هذا من منظور المواطن العادي؟ VA-11 HALL-A تجاوب على هذا السؤال.
VA-11 HALL-A، تنطق “فالهالا”، هي لعبة تحكي قصة Jill، ساقية تعمل في حانة باسم فالهالا، في مدينة ديستوبية تسمى Glitch City. الحانة سيتم اغلاقها قريباً وتدور أحداث اللعبة في شهر Jill الأخير في العمل قبل الاغلاق.
Jill، وشخصيات فالهالا الآخرون مثل مديرتها سيئة السمعة Dana Zane وزميلها ذو الماضي الغامض Gillian هي الشخصيات التي ستلعب دور الـ NPCs في أي لعبة Cyberpunk أخرى، شخصيات في الخلفية لا دخل لهم بالقصة الرئيسية التي تحكيها اللعبة، لكن في VA-11 HALL-A، هؤلاء الشخصيات هم القصة الرئيسية. VA-11 HALL-A هي قصة بشر يحاولون النجاة والحياة في عالم لا يعرف الرحمة، بشر لكل منهم شخصيته وماضيه ونزعاته وتعقيده الداخلي، ليس فقط موظفي الحانة بل زبائنها ايضاً. تفتتح Jill كل يوم لها في العمل بمقولة ” حان وقت مزج المشروبات وتغيير الحياة”، وهناك الكثير من الحقيقة في هذه المقولة. ففي كل ليلة يزور الحانة مجموعة من الشخصيات الملونة والمثيرة للاهتمام، ما بين الزبائن المعتادين التي تجمعهم مع Jill معرفة وعلاقة شخصية، والوجوه الجديدة التي عليك كسبهم كزبائن. ستحكي تلك الشخصيات كثيراً، كيف كان يومهم، قصص من ماضيهم، تخوفاتهم من المستقبل، آراءهم بالوضع السياسي الحالي، وستشعر بتأثير محادثاتهم مع Jill والمشروبات التي تقدمها لهم على قراراتهم ومجرى حياتهم.
نعم، VA-11 HALL-A هي رواية تفاعلية، لكن على عكس العادة لا يوجد خيارات متعددة للحوارات هنا، والتأثير الوحيد لك كلاعب على مجرى القصة هو عن طريق المشروبات التي تقدمها لزبائنك. نظام خلط المشروبات نفسه بسيط، ولا يزيد عن قراءة تعليمات المشروب الذي تريد تحضيره وخلط المكونات بالكميات المذكورة في التعليمات، لكن التحدي الحقيقي هو في معرفة المشروب الذي يحتاجه الزبون. البعض سيكون مباشراً معك ويعطيك اسم المشروب، اما الباقي فسيطلب منك بطرق غير مباشرة ليختبر معرفتك كساقي، او سيطلب شيئاً لا يريده فعلاً لسبب او لآخر، او شيئاً يريده، لكنه لا يحتاجه وسيجعل حياته أسوأ ان اعطيته إياه بتلك اللحظة. عليك ان تركز مع القصة والشخصية والحوار، وتستنتج المشروب المناسب لكل شخص في كل لحظة، وان نجحت في تقديمه كل مرة، تفتح لك تكملة قصة الشخصية ونهايتها.
أحببت نظام المشروبات في VA-11 HALL-A، ووجدته نسخة مميزة من نظام خيارات المحادثة التقليدي بالروايات التفاعلية، ومتناسبة مع ثيمات اللعبة واجوائها، بالإضافة لكونه يشجعك على التركيز مع تفاصيل اللعبة والتعمق بالشخصيات وفهمهم، ليصبح بإمكانك تقديم المشروبات المناسبة لهم. مشكلتي الوحيدة معه هو أن في بعض الحالات النادرة، لا يمكنك استنتاج المشروب الذي يريده الزبون من المرة الأولى مهما فعلت. اكبر مثال على هذا هو شخصية Virgilio الذي يطلب في زيارته الأولى مشروباً لا يمكنك تقديمه الا ان كنت شريت منتجاً معيناً من المحل بشكل مسبق. اتفهم وجود لحظات مثل هذه لتشجيع اللاعب على إعادة اللعبة، لكنها تبقى لحظات غش في نظام عادل وابتكاري في اغلب حالاته.
وعلى ذكر Virgilio، حان الوقت للتحدث عن أقوى عناصر VA-11 HALL-A، شخصياتها وكتابتها. لا يمكنني التحدث بإسهاب في هذا الجانب بدون تخريب التجربة على اللاعبين الجدد، لكني سأقول أن VA-11 HALL-A تمتلك مستوى كتابي من الأفضل في الذاكرة الحديثة. جميع شخصياتها تنبض بالروح، جميع حواراتها ممتعة للقراءة ومثرية لشخصياتها وعالمها. VA-11 HALL-A لعبة تنجح في خلق البسمة على وجهك بحسها الكوميدي الساخر، والحصول على دمعتك بلحظاتها الدرامية القوية، وإثارة اهتمامك بأفكارها المظلمة عن المستقبل الذي تتجه له البشرية، وإدخالك في حالة من الشجن، حين ترى لمحاتها الإنسانية في وسط هذا الظلام. اما Jill، فقد تكون واحدة من أكثر أبطال العاب الفيديو المفضلين لدي على الإطلاق. Jill مرآة للإنسان الحديث، بصراعاته الداخلية وتعثره في إيجاد مكانه في الحياة، ولا أعتقد أن بإمكان احد أن يلعب اللعبة ولا يرى نفسه في Jill بشكل او بآخر.
اضف على هذا توجهاً فنياً غاية في الجمال، يدمج الـ Pixel Art بقوائم وتقديم العاب الحاسوب القديمة، وألبوماً موسيقياً غاية في الروعة، وستجد VA-11 HALL-A تجربة غاية في الجمال. الطريقة التي تتعامل فيها VA-11 HALL-A مع الموسيقى غريبة بعض الشيء وتستحق الذكر. اللعبة تمتلك ألبوماً قوياً للغاية ومليئاً بالنغمات التي تعلق في الذاكرة، لكنها لا تستعمله للحظاتها القصصية. في بداية كل يوم في الحانة، انت كلاعب تختار 16 لحناً ستسمعهم بالترتيب حتى نهاية اليوم، مهما كانت اللحظات التي تقرأها. هذا يعني أن لحظات اللعبة القصصية لا ترتبط بالذهن بألحان بحد ذاتها، وهو ما شعرت بكونه تضييعاً للمستوى الموسيقي الرائع للعبة.
VA-11 HALL-A أصبحت روتيناً في حياتي لأيامٍ طويلة. بكل ليلة أشغل جهاز الـ Switch، اذهب ليوم جديد في الحانة، أتحدث مع زبائني المعتادين وآخذ منهم آخر الاخبار في حياتهم، واتعرف على الوجوه الجديدة وأخمن أي نوع من البشر هم تحديداً، بينما اتعلم أكثر عن Jill وماضيها واهدافها بالحياة، بينما أرى عالم Glitch City يتغير حولي. امزج المشروبات، وأغير الحياة.
تمت مراجعة اللعبة على جهاز Switch بعد أن حصلنا عليها من الناشر.