واجهت لعبة العالم المفتوح و البقاء Dying Light 2 دورة تطوير متعثرة، و عندما يحصل هذا فإن النتائج النهائية لا تكون سارّة دائمًا. فوق ذلك، لا شكّ أن هذه اللعبة واجهت أيضًا ظروفًا صعبة أخرى في التطوير نجمت عن انتشار وباء COVID-19 و العزل المنزلي و تبعات تأثير ذلك على التطوير، كل هذا كان يقودنا إلى التساؤل فيما إن كانت Dying Light 2 ستنجح رغم ذلك في أن ترتقي إلى تطلعات اللاعبين، أم أن المشاكل التطويرية و آثار عدم الاكتمال ستكون طاغية. في الحقيقة، حصلنا على نسخة المراجعة في وقتٍ متأخر و ربما كنا محظوظين بذلك قليلًا لأننا سمعنا عن مشاكل عديدة واجهت اللاعبين قبل التحديثات، نحن واجهنا بعض المشاكل أيضًا لكنها لم تكن كبيرة أو مؤثرة كثيرًا على التجربة. بجميع الأحوال، ما أردنا قوله أن Techland رغم كل شيء، قامت بتطوير لعبة يُمكن أن تكون فخورة بها.
Dying Light 2 Stay Human هو اسمٌ معبرٌ حقًا عن هذه اللعبة. من جهة، يعبّر الاسم عن الجانب الأخلاقي و محاولة الشخصيات للاحتفاظ بإنسانيتها في عالمٍ مدمر كادت أن تختفي فيه أشكال الحياة، و من جهة أُخرى فهو يعبّر عن بطلنا “ايدن” الذي يُوشك على التحول إلى زومبي، و هو في صراعٍ دائم خلال اللعب حتى لا يتحوّل. “ايدن” تعرض مع شقيقته “ميا” لأبحاث غير إنسانية أُجريت على مجموعة من الأطفال على يد عالمٍ مجنون يحمل الاسم “والتز”، و هو في رحلةٍ الآن للبحث عن شقيقته الضائعة. هذا ليس المحور القصصي الوحيد لهذه اللعبة على أية حال، فبجانب المحور الإنساني و العلاقة الأخوية العاطفية، هناك أيضًا صراع الأيدولوجيات بين الفئات البشرية التي تحاول أن تبني مجتمعًا بشريًا على أنقاض الدمار.
هناك صراع فلسفي بين الحرية و السلطة، بين النظام و بين الاستقلالية، و هناك أنواع مختلفة من البشر وسط هذه المعمعة. هناك الطيب و النبيل، هناك المخادع، هناك المقاتل… و هناك المضحي الذي لا تملك سوى أن تشعر تجاهه بالامتنان و التقدير. اللعبة أجادت بناء عالمها حقًا، و حاولت أن تتصور كيف سيكون حال المجتمع البشري في كارثة كهذه، و لعلّ الساعات الأولى في اللعبة لوحدها كفيلة بتوضيح مدى عمق الجانبي الإنساني في هذه اللعبة و نحن نقرّ بأن هذا قد راقنا كثيرًا. هذه حتمًا لم تكن لعبة جوفاء، رغم برود الشخصية الرئيسية كما هو الحال مع ألعاب المنظور الأوّل التي تحاول أن تضع اللاعب في قميص الشخصية الرئيسية ليتقمصها. المشكلة أن اللعبة لا تدعم التخزين اليدوي، و قد كنا نرغب في تجربة خيارات قصصية مختلفة لنرى تأثيرها على مجرى الأحداث.
طريقة اللعب في داينق لايت 2 رائعة، و لكن مكامن روعتها لن تنجلي إلا بعد ساعات لعب طويلة للغاية و هذا هو مأخذنا الأكبر على هذه اللعبة. بداية اللعبة بطيئة للغاية مع قدرات محدودة جدًا في الباركور الذي تعتمد عليه اللعبة للتنقل و القفز و الركض بين الأسطح و المباني و الجدران و الحواف و الجسور الخشبية المعلقة و غير ذلك مما يجعله محدودًا حتى يتمكن اللاعب من الحصول على المزيد من القدرات، و مع سرعة تحطّم الأسلحة، سيجد اللاعب نفسه في معاناة حقيقية في بداية اللعبة حتى يتمكن من تطوير الأسلحة مما سيزيد صلابتها و يقلل سرعة تحطمها مع أن إصلاحها يبقى غير ممكن. هل هي لعنة العالم المفتوح؟ هل هي لعنة الـ500 ساعة التي أراد المطورون تقديمها؟ لا أعلم و لكن ما أثق به أن هذه اللعبة تدفع ضريبة غالية الثمن للتأخر في فتح القدرات لتطوير شخصية اللاعب، خاصة قدرات جوهرية مثل قدرات الباركور التي تزيد متعة التنقل في عالم اللعبة.
جانب الحركة في اللعبة متوسط، هناك أسلحة عديدة و منوعة مع إمكانية ترقية هذه الأسلحة بل و إضافة العناصر عليها مثل الكهرباء ، إلا أنّ الأعداء البشريين ليسوا أذكياء جدًا و يتكرر نمطهم الحركي كثيرًا. القتال يعتمد على الأسلحة البيضاء و كذلك استخدام مهارات الباركور مثل رفس الأعداء. على أية حال، ميكانيكيات اللعب صلبة و طرق التنقل في البيئة ممتعة و هي تضم الشراع الذي يتيح للاعب القفز من مبنى إلى آخر و التحليق في الهواء، ميكانيكية الشراع تشبه تلك في ألعاب أسطورة زيلدا كثيرًا خاصة مع وجود أماكن تضخ الرياح إلى الأعلى لرفع اللاعب. عالم اللعبة عامودي التصميم و مليء بالطبقات أكثر من أي لعبة عالم مفتوح أخرى، و هو يقدم العديد من الأفكار المشابهة لألعاب شركة Ubisoft مثل السيطرة على أماكن معينة في الخريطة و تسخيرها في خدمة أحد المعسكرين PK و Renegades.
الفكرة المميزة في هذه اللعبة تأتي من البطل المصاب بالفايروس “ايدن”، في الظلام تقل مناعة ايدن و يزداد قربًا من التحول و على اللاعب أن يحقنه بالأدوية باستمرار لزيادة المناعة أو البحث عن مصادر الضوء البنفسجي للحماية، هذا يجعل الاستكشاف في الليل مثيرًا للتحدي. رغم ذلك، يسهل استكشاف المناطق الداخلية المليئة بالمكافآت مثل أدوية زيادة المناعة و غيرها داخل المباني و المتاجر المهجورة و المنازل الخاوية على عروشها و المناطق المظلمة، لأن الزومبي في المساء يجوبون شوارع المدينة. في النهار يختبىء معظم الزومبي في المنازل مما يجعل الاستكشاف الداخلي أكثر صعوبة، لكن التنقل في شوارع المدينة يصبح أسهل.
قمنا بتجربة اللعبة بطرق عديدة لفحص الأداء، و كان استقراره أكبر مع الدايركت إكس 11 الذي قدم تجربة لعب سلسة بثبات، أما عند الانتقال إلى الدايركت إكس 12 من أجل استخدام مؤثرات تتبع الأشعة، عانت اللعبة قليلًا من لحظات التجمد (stutter) التي رأيناها في الكثير من الألعاب الداعمة لهذه المكتبة البرمجية، و التي ما زال المطورون يواجهون المشاكل في التعامل معها، إلا أنها لم تكن بذلك السوء. واجهتنا في اللعبة أيضًا مشكلة تسريب الذاكرة (memory leak) و التي تؤدي إلى انخفاض مفاجىء في الأداء بعد فترة من اللعب، بالإضافة إلى مشاكل أخرى لكنها كانت بسيطة نسبيًا. تتبع الأشعة تُضيف الكثير من العمق لعالم اللعبة مع الظلال في البيئة، و الإضاءة المنتشرة التي تصنع الفارق الأكبر في جودة الصورة، إلا أن الانعكاسات كانت أقل من دقة العرض الحقيقية للشاشة و لم تكن بالمستوى المطلوب، و ليس هناك الكثير من الخامات العاكسة من الأساس، كما أن اللعبة لا تستخدم تتبع الأشعة لتأثير الانعكاسات على الماء.
لا يبدو مظهر اللعبة مبهرًا حقًا، هي تبدو كلعبة جيلٍ ماضٍ مع تقنية من الجيل الجديد و هي تتبع الأشعة، الخامات عادية و نماذج الشخصيات لا تبدو بتلك الواقعية الكبيرة التي تظهر فيها شخصيات ألعاب مثل هورايزون و سايبربنك 2077. حقيقة، اللعبة تأخرت كثيرًا على أن تكون مبهرة في هذا الجانب في العام 2022، و لعل تقنية تتبع الأشعة حفظت ماء وجه اللعبة في هذا الجانب. لا تفهمنا خطأ عزيزي القارىء لأننا لا نستهين بما تقوم به اللعبة من نقل البيانات و الذي أكد المطورون أنه يفوق ما تقدمه الألعاب الأخرى من نوع العالم المفتوح بفضل طبقية العالم و عاموديته، مع العديد من الأماكن الداخلية القابلة للاستكشاف، و هو الأمر الذي كان حلمًا لنا بكوننا من عشاق ألعاب رعب البقاء، و إن كنا لا نستطيع تصنيف هذه اللعبة على أنها لعبة رعب. من الجدير بالذكر أن اللعبة لا تدعم الـHDR.
تقدم هذه اللعبة مستوً صوتيًا متذبذبًا. من جهة، التمثيل الصوتي ليس جيدًا بما يكفي و لا يقدم تقنيات اقتباس الأداء الحديثة و التي تضم مسح تعابير الوجه و ما إلى ذلك، بل يجعلك تشعر أن الشخصيات تقرأ النص من كتاب، إلا ان الموسيقى من جهة أخرى رائعة حقًا! هناك الألحان الهادئة التي تخلق أجواءً خاصة في اللحظات التي تحتاج ذلك، و هناك الألحان السريعة التي تعمل عندما يبدأ اللاعب بالركض و التجوال في المدينة.
داينق لايت 2 لعبة رائعة، لكن الرتم البطيء لها و بطء فتح القدرات و ترقية الشخصية هي عوامل تختبر صبر اللاعب، و لا يمكننا سوى الشعور بأن التجربة تمتلك نوعًا من التكرار كان يمكن تجاوزه بسهولة، خاصة مع تنوع المحتوى الذي قدمه المطورون و الذي يصل حتى إلى حل الألغاز في بعض الأماكن التي يسعى اللاعب للسيطرة عليها على الخريطة. هذه اللعبة مناسبة للاعب الصبور الذي لا يمانع استثمار الوقت للحصول على المكافأة، و هي مليئة بالأسرار و الاستكشاف و المحتوى الجانبي. داينق لايت 2 لا تكسر أية أعراف في ألعاب العالم المفتوح، لكنها تقوم بالأمر على طريقتها الخاصة.
حصلنا على نسخة المراجعة من الناشر على الحاسب الشخصي