بعد حادثة مثيرة، يُلقى القبض على الملاح الفضائي “جيكوب” بطل لعبتنا هذه، وإرساله إلى معتقل Black Iron، المعتقل الذي أقامه البشر على القمر “كاليستو” ليقضي ما تبقى من حياته هناك، وهناك، تبدأ مغامرتنا عندما يواجه “جيكوب” المخلوقات المتحولة في هذا السجن الذي تحوّل إلى منطقة منكوبة لأسباب مجهولة. المعتقل، يبدو مكانًا مثاليًا حقًا للعبة رعب، والتي شهدت أخيرًا عودة المصمم Glen Schofield إلى هذا النوع من الألعاب بعد غيابٍ طويل. على أية حال، The Callisto Protocol، في نهاية المطاف، لم تكن تمامًا اللعبة التي تخيلناها.
عمل على The Callisto Protocol المصمم الشهير Glen Schofield مبتكر سلسلة Dead Space سابقًا، ومن الواضح أنه من عشاق أفلام الرعب والخيال العلمي التي انتشرت في الثمانينات وبداية التسعينات، وشغوفٌ بها، وبألعاب الرعب الأخرى أيضًا والتي تظهر إلهاماتها في زوايا كاليستو المترامية. فريق التطوير الصاعد Striking Distance Studios يضمّ في صفوفه عددًا كبيرًا من الكفاءات من Visceral، ومن ضمنها Steve Papoutsis الذي صمم Dead Space جنبًا إلى جنب مع “جلين”، و Scott Whitney أحد مصمميها، ومُخرج رسومها السابق Christopher Stone. نواة الفريق الذي عمل على هذه اللعبة، بشكلٍ عام، هي ذاتها التي عملت على تلك الرائعة.
بعد حادثة مثيرة في مقدمة اللعبة ونزاعٍ مع فتاة مجهولة الهوية، يتم القبض على “جيكوب” وإرساله إلى “كاليستو” ثاني أكبر أقمار كوكب المشتري رغم أنه ظاهرًا لم يرتكب أي جرم. هناك يكتشف جيكوب الكارثة التي وقعت في المكان، وكيف تحول كل من فيه إلى كائن مخيف، وعلى اللاعب التحكّم بجيكوب ومحاولة الهرب من معتقل “المعدن الأسود” الذي استحال إلى جحيم. النصف الأول من اللعبة لا يكشف الكثير، إلا أن الحقائق والخبايا تطفو إلى السطح شيئًا فشيئًا، في النصف الثاني من اللعبة. مطورو Striking Distance أولوا للقصة عناية خاصة، وبذلوا فيها مجهودًا كبيرًا، وقاموا ببنائها بطريقة قابلة للتصديق.
ساهم في ذلك أيضًا، المستوى المتقدم للغاية، بل والمذهل، في نمذجة الشخصيات التي اقتربت من الواقع بصورة مخيفة؛ الجلد ومسامات الشعر عليه، الملامح وتعابير الوجه، طيّات الملابس، العرق، بصيلات الشعر على رأس جيكوب، تفاصيلٌ يجب أن ترونها بأنفسكم حتى تصدقوها، خاصة بنسخة الحاسب الشخصي التي قمنا بتجربتها مع بطاقة الرسوم RTX 4080 بأعلى الإعدادات وبدقّة 4K مع أداء يتجاوز 60 إطارًا. الأداء الرسومي الممتاز، مع تقنيات التقاط الحركة، ساهما في إضفاء الواقعية المطلوبة التي أرادها المصممون على القصة، والتي نعتقد أنها كانت مرضية، إلا أنها بالطبع، لن تكون السبب الأساسي الذي قد يدفع اللاعبين إلى شراء هذه اللعبة، وبذلك ننتقل إلى الحديث عن طريقة اللعب.
طريقة اللعب، هي أكثر ما فاجأنا في هذه اللعبة، ولا نعني ذلك بصورةٍ إيجابية بالضرورة، وهي تُذكرنا إلى حدٍ بعيد بلعبة Resident Evil 6، ليس لأنها تشبهها في الميكانيكية، ولكن لأنها تشبهها في فلسفة التصميم الخارجة عن المألوف، والتي تُشجع اللاعب على أن يلعب بطريقة معينة ومحددة، وهذه الطريقة تعتمد على تفادي ضربات الأعداء عن طريق عصا الأنالوج، ثم توجيه الضربات إلى العدو المتحول بالعصى، مما يؤدي إلى ظهور علامة تصويب أوتوماتيكية على العدو لفترة زمنية قصيرة جدًا، وعند إطلاق النار عليه وإصابته سيكون بمقدوركم أن تُتبعوا ذلك بضربة يدوية أخرى. التنفيذ الصحيح والمتسلسل للضربات يسمح بالقضاء على العدو بالكامل.
هذا يبدو جيدًا على الورق، إلا أنّه يصبح مملًا ومكررًا مع الوقت، خاصة وأن الأسلحة خلال النصف الأول من اللعبة محدودة جدًا. في النصف الثاني، ورغم الحصول على عدد أكبر من الأسلحة، إلا أننا لا نحصل على المزيد من التنويع في طريقة اللعب، فالفكرة في جوهرها تبقى كما هي، والأسوأ أن نظام القتال لا يعمل جيدًا عندما تهاجمك مجموعة من المخلوقات، مما قد يتسبب بالخسارة الرخيصة، فالمخلوقات تستطيع أن تهاجمك وأنت منهمك في توجيه الضربات المتلاحقة لعدوٍ آخر، وتستطيع أن تقتلك بلمح البصر دون أن تتمكن من فعل شيء، خاصة وأن اللعبة لا تقدم حلولًا حقيقية وفعالة لمواجهة المجموعات سوى محاولة استدراج الأعداء بشكل ما أو الاستفادة من البيئة في التخلص منهم. نظام القتال يعمل بشكل جيد في مواجهات واحد لواحد، لكنه لا يعمل حقًا عند مواجهة جحافل من الأعداء، والنصف الثاني من اللعبة مليء بالمواجهات الجماعية هذه مما يقلل من قيمة اللعبة ككل في منظورنا، هناك الكثير من اللحظات الاستفزازية التي تتسبب بها منظومة اللعب الغريبة هذه.
فريق التطوير Striking Distance موهوبٌ حقًا، وقد حقق وعده بتقديم أعداءٍ يتحولون في الزمن الحقيقي إن لم تقم بالقضاء عليهم قبل ذلك، الأمر الذي يُذكرنا بالقرويين في أسطورة كابكوم الخالدة Resident Evil 4، والذين كانوا يمرون بمراحل تحوّل مشابهة، كما يُمكن للاعب أن يستفيد من البيئة عن طريق ذراع جيكوب التي تكتسب قدرة لجذب الأعداء ومن ثم قذفهم في اتجاهات مختلفة، وسيؤدي قذفهم فوق قضبان معدنية إلى الموت المباشر، إلا أن اللعبة ليست مخيفة حقًا، وهي تقدم الكثير والكثير من الأكشن، والقليل من المواقف المرعبة، ولا نخفيكم القول أننا توقعنا رعبًا أكبر من مطوري Dead Space. على أية حال، تسمح اللعبة بتطوير الأسلحة عن طريق العملة النقدية التي ستقومون بجمعها خلال اللعب، وننصح بالتركيز على أسلحة محددة وقدراتها.
أيضًا، يُمكن للاعبين أن يدوسوا على جثث الأعداء المتحولين على غرار بعض ألعاب Silent Hill للحصول على أشياء إضافية مثل الذخيرة أو العلاج، وهذا مفيدٌ جدًا خاصة في ظل شح الموارد. يُمكن استخدام العلاج عن طريق القائمة الرئيسية، وسيقوم جيكوب بحقن نفسه بالإبرة و إفراغ محتوياتها في عروقه ليمتلأ إكسير الحياة الأخضر فوق رقبته من جديد. هناك نظام خاص للتمثيل بالأعداء وتقطيع أجسادهم، مثل الذراعين أو الرأس، وسيهجمون عليك حتى مع رأس مقطوع! ويؤدي تهشيم الذراع إلى تقليل قدرة العدو على توجيه الضربات المتلاحقة لجيكوب… جيكوب، نفسه هو الآخر، يُمكن أن يتعرض لضرر مشابه بذات الطريقة، وسترون لحمه وعظمه ومكوناته الداخلية بصورة مقززة، كثيرًا.
The Callisto Protocol هي لعبة تستجيب لمطالب اللاعبين فيما يخص التوجه الحالي لعالم الألعاب، فهي خطية الطابع ترتكز على التقدم إلى الأمام دون العودة إلى الخلف، وهي تقدم عنصر الاستكشاف باستخدام طرق متفرعة، دون أن ترشد اللاعب إليها، لكن هذا يعني أن اللاعب أيضًا، قد يتجاوز بعض هذه المحتويات عن غير قصد إذا توجه إلى الطريق الرئيسي. ولا تحتوي The Callisto Protocol على ألغاز حقيقية، فكل ما على اللاعب فعله للتقدم هو فتح الأبواب المغلقة، والعثور على المفاتيح المشفرة، أو الفاصمة (Fuse). نعم، هذه اللعبة هي لعبة حركية في المقام الأول، ومرة أخرى هي تذكرنا كثيرًا بألعاب ريزدنت ايفل الحركية.
كما ذكرنا، The Callisto Protocol هي واحدة من أفضل الألعاب رسوميًا وعلى جميع الأجهزة، بجانب الشخصيات فإن البيئة بدورها متقنة للغاية من خامات ومعادن ومؤثرات اللهب المتراقصة والدمار الذي أحاط بالمكان. الإضاءة هي من الأفضل في عالم الألعاب مع مصادر الضوء الصناعي، والأضواء الحمراء النابضة بفعل أجهزة الإنذار. وتدعم اللعبة مؤثرات تتبع الشعاع Ray Tracing، إلا أن الأداء للأسف ينهار عند تفعيلها مهما كانت البطاقة الرسومية، وذلك ببساطة شديدة لأن اللعبة مصممة على مُحرك Unreal 4 ولم يجري تخصيصها للاستفادة من تعدد الأنوية في المعالجات المركزية فهي ترتكز على عدد قليل من الأنوية فحسب و تعتمد على سرعة النواة الواحدة بدرجة أكبر، وبذلك فإن الحمل الإضافي الرسومي الناتج عن تفعيل التقنية، لا يتوزع على أنوية المعالج المركزي. الأداء يهبط كثيرًا عن 60 إطار رغم أن نسبة استغلال البطاقة الرسومية (GPU Utilization) لا تصل أبدًا إلى 100% أو حتى 90%، لذلك فقد اضطررنا إلى إقفال خيارات تتبع الشعاع للاستمتاع باللعبة. واجهنا نفس المشكلة هذا العام مع لعبة Ghostwire Tokyo.
الأداء كان يعاني كثيرًا من التقطيع (stutters) عندما صدرت اللعبة في بادىء الأمر على الحاسب الشخصي وهي لعنة باتت ترافق عددًا ضخمًا من الألعاب منذ صدور برمجية DirectX 12 من مايكروسوفت التي أعطت حرية أكبر للمبرمجين في تخصيص الأداء، إلا أن التحديثات التي حصلت عليها قامت بحل هذه المشاكل بصورة كبيرة، إذ باتت اللعبة تقوم بعملية تجميع الشادرز (compiling) من البداية وليس خلال اللعب. في الوقت الحالي أداء اللعبة مستقر. وفيما يتعلق بالأداء الصوتي، فهو نقطة قوة أخرى لهذه اللعبة كما كان متوقعًا، ومع دعم للأصوات المحيطة، إلا أنّ الموسيقى للنسيان، وهي تكتفي بدور “الكومبارس” في اللعبة، دون أن تضيف شيئًا، ونحن لسنا من محبي هذا التوجه على الإطلاق.
هناك جهودٌ ضخمة بُذِلَت في تصميم The Callisto Protocol، وهي تُبشر بولادة استوديو من شأنه أن يكون أحد عمالقة الصناعة في المستقبل، ويؤسفنا أن القرارات التصميمية التي ذهبت خلف طريقة اللعب، أدّت إلى الكثير من الإرباك في المواجهات. تبقى ألعاب الفيديو وسيلة تفاعلية في المقام الأول، ومهما كان المجهود المبذول في الجوانب الأخرى، فإن مستوى هذا التفاعل بين اللاعب واللعبة، واستجابتها لما يفكر به اللاعب وما يُريد القيام به، هو المقياس الأول لمستوى التجربة ككل. The Callisto Protocol هي لعبة رائعة حقًا، ونستطيع أن ننصح بها عشاق هذا النوع من الألعاب بضميرٍ مرتاح، إلا أنها ليست لعبة الرعب التي كنا نحلم بها.
حصلنا على نسخة المراجعة من الناشر