في أحلامنا المضطربة، رأينا تلك المدينة، وأردنا أن نزورها من جديد، لكننا لم نكن نعلم أن هذا الحلم سيتحول إلى حقيقة! سلسلة الرعب Silent Hill من شركة كونامي اليابانية تحصل على فرصة جديدة بالعودة إلى سوق الألعاب، هذه السلسلة التي لطالما سكنت قلبي والتي كان فراقها صعبًا حقًا عندما توقفت لسنوات طويلة عن الصدور، كونامي اختارت أن تكون بوابة العودة من خلال نسخة جديدة لأسطورة السلسلة ومعشوقة الجماهير Silent Hill 2، تحدي كامن وحقيقي أمام فريق التطوير Bloober لإعادة تحديث وتصور هذه الرائعة التاريخية في عالم الألعاب ذات الإرث الثقيل، فهل نجح في مهمته؟ حسنًا، حضّر كوبًا من الشاي الدافىء عزيزي القارىء و واصل القراءة.
صدرت سلسلة التل الصامت للمرة الأولى على جهاز البلايستيشن الأول في العام 1999، وقام بتطويرها فريق من المطورين الشباب والعباقرة داخل شركة كونامي، هؤلاء أرادوا أن يصنعوا لعبة رعب بشخصية قصصية فريدة و سرد أدبي يضاهي الروايات العالمية، نعم كان الطموح القصصي للسلسلة منذ بدايتها مرتفعًا جدًا. الجزء الثاني صدر على البلايستيشن2 وقد كان الإصدار الذي سكن القلوب والعقول، نعم الجزء الثاني سحرني تمامًا، إنها لعبة من عالم آخر وهي قطعة من الفن الذي لم يكن له مثيل بل و يمكنني أن أقول وبكل ثقة أن الجزء الثاني كان لعبة دفعت السرد القصصي في عالم الألعاب إلى آفاق جديدة كليًا لم تكن مسبوقة إطلاقًا في ذلك الوقت!
“في أحلامي المضطربة، أرى تلك المدينة، التل الصامت. لقد وعدتني أنك ستأخذني إلى هناك مرة أخرى، لكنك لم تفعل ذلك أبدًا. أنا وحيدة هناك الآن، بانتظارك، في مكاننا الخاص” – هكذا تبدأ لعبة الرعب Silent Hill 2، برسالة يتلقاها جيمس سندرلاند من زوجته المتوفية ماري تدعوه فيها إلى مقابلته، ولكن كيف يُمكن لشخص ميت أن يقوم بإرسال رسالة؟ لأن ماري قد ماتت منذ سنوات، هذا اللغز جذبني من البداية في اللعبة الأصلية، أردت حقًا أن أعرف من هي ماري؟ هل هي ميتة حقًا؟ وإن كانت كذلك فمن أرسل الرسالة لجيمس سندرلاند؟ وما هو المكان الخاص الذي جمعهما؟ العديد والعديد من الأسئلة تطرحها اللعبة منذ اللحظة الأولى! ويستمر الغموض عندما يقابل جيمس في بداية اللعبة شخصية آنجيلا واقفة وسط مقبرة المدينة ناصحة له بأن لا يذهب وأن يعود أدراجه! وشيئًا فشيئًا تتعرف على جميع الشخصيات التي تمتلك أبعاد إنسانية عميقة. نعم لطالما كانت سايلنت هيل لعبة رعب نفسي بمحاور فلسفية عميقة مثل الجريمة والعقاب ومفاهيم الخطيئة والخلاص وهي تضع مشاكل اجتماعية شائعة ضمن قالب هذا السياق.
سايلنت هيل2 كانت واحدة من أوائل القصص الاجتماعية في عالم الألعاب، مفهوم قصة لعبة بأبعاد تحاكي مشاكل المجتمعات وتقدم نقدها الخاص كان جديدًا بالكامل ولذلك يمكننا القول أن سايلنت هيل2 كانت لعبة ثورية في الجانب القصصي بالفعل وقد ألهمت الكثير والكثير من ألعاب الرعب الأخرى وعلى رأسها ألعاب مثل Alan Wake. نعم لطالما كانت سايلنت هيل سلسلة مرعبة بأجوائها الفنية الفريدة ذات الطابع الحالم و القص السيريالي حيث يتمازج الإخراج الفريد مع تصاميم الشخصيات وتعابيرها لتقديم لوحة إخراجية فاخرة. السؤال الذي يطرح نفسه، هل نجح الريميك في الارتقاء إلى مستوى اللعبة الأصلية في جانب السرد القصصي؟ تصعب الإجابة على هذا السؤال فمهما كان مستوى السرد القصصي لا يمكن له أن يترك ذات الأثر في نفوس اللاعبين حيث لم يعد المفهوم الاجتماعي في قصص الألعاب جديدًا أو غريبًا وأصبح هناك الكثير من سلاسل الألعاب التي تبرع في هذا الجانب. رغم ذلك ما زالت سايلنت هيل2 واحدة من أفضل القصص في عالم ألعاب الرعب وهي بكل تأكيد أفضل من قصص وحكايا ألعاب ريزدنت ايفل السطحية! نعم هل تسمعونني يا عشاق كابكوم؟ تقدم اللعبة نهايات متعددة أيضًا وهي نقطة أخرى تتميز فيها اللعبة عن العديد من ألعاب الرعب الأخرى.
التوجه الفني الذي سلكته اللعبة في السرد القصصي مختلف عن اللعبة الأصلية وهي لعبة تقدم ذات القصة ولكن برؤيتها الخاصة وطابعها الإخراجي الخاص، القصة أكثر وضوحًا و أقل غموضًا ولا تعتمد على السرد السيريالي بنفس الدرجة حيث اختفى الطابع الحالم الذي كان موجودًا في اللعبة الأصلية وباتت اللعبة تميل إلى تقديم تجربة أكثر واقعية، حسنًا أعتقد أن هذا كان متوقعًا بالنظر إلى توجه عالم الألعاب اليوم حيث تسعى جميع الألعاب إلى الواقعية وقابلية التصديق وهذا ما تقوم به سايلنت هيل2 ريميك أيضًا. أنا أفضل اللعبة الأصلية كتجربة فنية فريدة من نوعها لا تشبه أي شيء آخر، لكن الريميك يمتلك شخصيته الخاصة ويبرع في الأداء الصوتي والتمثيل وتعابير وجه الشخصيات ولم أكن أحلم يومًا بأنني سألعب سايلنت هيل2 بهذا المستوى من الرسوم والتفاصيل، فقط عليك أن تشاهد نظرات الطفلة الصغيرة لورا وهي ترمق جيمس بعدائية، أو التعبير المضطرب بشدة على وجه إيدي. جرى التوسع في السرد القصصي أيضًا حيث أضيفت بعض المشاهد التي تجعل قصص بعض الشخصيات مثل آنجيلا أكثر وضوحًا، و ربما لا يروق هذا القرار لبعض اللاعبين لكننا نعتقد أنه القرار الصحيح. هناك الكثير من الحوارات الإضافية أيضًا بين جيمس وبين ماريا وهذه الحوارات تساهم في بناء العلاقة بين الشخصيتين بشكل أفضل من السابق.
ما زالت طريقة اللعب الأساسية كما عهدناها في ألعاب سايلنت هيل، سيكون لديك خريطة يمكنك أن تتصفحها في الزمن الحقيقي هذه المرة وسترى جيمس وهو يرسم عليها العلامات الحمراء ويدون ملاحظاته التي ستساعدك على التوجه إلى المكان الصحيح أو حل بعض الألغاز والعودة إليها، وستحصل على المذياع الذي يصدر أصواتًا مشوشة عندما تقترب من مواجهة أحد الأعداء. ما زال القتال في اللعبة يعتمد على المواجهات المباشرة من المدى القصير بالأسلحة البيضاء أو الأسلحة النارية، اللعبة أصبحت تستخدم منظور الكتف وهي تتفوق على اللعبة الأصلية من ناحية الأكشن و مواجهات الوحوش بفارق كبير، الوحوش أصبحوا أكثر ذكاء بمراحل وعليك التمرس جيدًا على تفادي هجماتهم وتوجيه الضربات في الوقت المناسب. في الجقيقة أتساءل فيما إن كانت اللعبة أصعب من اللازم في هذا الجانب، لا أعرف كيف سيكون شعوركم أعزائي اللاعبين، أعتقد أن المواجهات ممتعة خاصة مع الوحوش صاحب السيقان الطويلة والذي يختبىء في عالم اللعبة حتى يقوم بمهاجمتك بشكل مفاجىء وقد نجح اللعين في مباغتتي مرات عدة! المشكلة التي تواجهها اللعبة على هذا الصعيد هو الشعور بالتكرار مع مرور الوقت خاصة مع غياب عناصر ترقية الأسلحة وغيرها من العناصر التي تجعل ألعاب ريزدنت ايفل على سبيل المثال ممتعة للغاية حيث تقدم دورة لعب (loop) إدمانية، هذا الأمر يغيب عن سايلنت هيل2، والتي يأتي التجديد فيها عن طريق إضافة أنواع جديدة من الأعداء عند التقدم في اللعبة أو الحصول على المزيد من الأسلحة. اللعبة تتفوق في معارك الزعماء، على أية حال، على اللعبة الأصلية وبفارق كبير.
الألغاز من جانب آخر أصعب بكثير من اللعبة الأصلية وتناطح ألغاز الجزء الأول في الصعوبة إن لم تكن تفوقها، ياللهول! لا أعلم كيف امتلك فريق التطوير Bloober على الجرأة لتقديم هذا المستوى من التحدي في الألغاز، هناك ألغاز ستقوم بحلها عن طريق الأبيات الشعرية كعادة السلسلة وهناك الكثير من الأرقام السرية على الأقفال وما شابه و التي سيتوجب عليك العثور عليها وهناك بالطبع ألغاز عديدة أخرى غير تقليدية، اللعبة ستجعلك تعصر خلايا دماغك الرمادية عصرًا وسأتوجه إليك بالنصيحة بأن تقوم باختيار مستوى الصعوبة الأسهل عندما تلعب اللعبة للمرة الأولى، في الحقيقة أعتقد أن صعوبة الألغاز ستنفر الكثيرين! و لك أن تتخيل عزيزي القارىء أن أحد الألغاز المبكرة في اللعبة يطلب منك أن تضع مجموعة من القطع في مكانها الصحيح على لوح ما بمساعدة نص توصيفي، وبعد أن تنجح في ذلك سيتغير النص وسيتوجب عليك أن تقوم بإعادة تحريك هذه القطع وستتكرر هذه العملية عدة مرات! هذا مجرد مثال على ما ينتظرك في هذه اللعبة.
عشاق سايلنت هيل سيكونون سعداء جدًا عندما نخبرهم أن هذا الريميك يقوم بالتوسع بشكل ملحوظ مقارنة مع اللعبة الأصلية، هناك العديد من المباني والأماكن الجديدة التي لم يكن من الممكن الدخول إليها في اللعبة الأصلية، نعم لن تجوب شوارع سايلنت هيل فحسب بل ستجد نفسك بداخل العديد من المباني والمتاجر المختلفة أيضًا و محبو الاستكشاف سيتمكنون من جمع المزيد من الذخيرة والأدوات العلاجية وما إلى ذلك، وبالطبع ستجد العديد من الوحوش في انتظارك في هذه الزاوية أو تلك. جميع الأماكن والمناطق التي كانت موجودة في اللعبة الأصلية هي أيضًا موجودة في هذا الريميك ولكن تم تصميمها بطريقة مختلفة، و عليك أن تطمئن عزيزي محب التل الصامت ما زال أمامك الكثير من الأبواب الموصدة في كل مكان تزوره!
المستوى الرسومي في اللعبة هو مستوى لم أكن أحلم شخصيًا كمحب للسلسلة بالحصول عليه، لم تكن سلسلة ألعاب سايلنت هيل من الألعاب التي تحقق مبيعات ضخمة يومًا ولا أتوقع الحصول على لعبة من السلسلة بميزانية عملاقة، ولكن سايلنت هيل2 ريميك هي بالتأكيد اللعبة الأكثر طموحًا في تاريخ السلسلة وهي تأتينا بمحرك Unreal 5 وبنماذج رائعة و واقعية للشخصيات وتعابير وجه دقيقة للغاية، الأداء من الممثلين جيد للغاية و بطبيعة الحال فإن هناك نوعًا من التفاوت في المستوى بينهم، الأهم هو الثنائي جيمس و ماريا و الديناميكية التي يمتلكها هذا الثنائي والتي تحرك اللعبة ككل إلى الأمام. هناك مشاكل في الأداء مع طور الجودة ولا أنصح باستخدامه والأفضل هو طور الأداء رغم أن معدل الإطارات ينخفض أحيانًا حتى في هذا الطور ولكنه أكثر سلاسة وثباتًا بكثير ولا يضحي بجودة الصورة كما هو الحال مع ألعاب أخرى. الموسيقى ما زالت تقدم طابعها الخاص والفريد حيث عمل عليها من جديد ملحن السلسلة التاريخي “أكيرا ياماوكا” بالإضافة إلى ملحنين آخرين، فهي تقدم الألبوم الأصلي المعاد إنتاجه مع ألحان جديدة كليًا ودعني أقل لك من الآن: لن تلعب لعبة رعب أخرى تتفوق على سايلنت هيل 2 في الموسيقى، خاصة مع ألحان ستبقى دائمًا في الذاكرة مثل Promise. على أية حال، طريقة استخدام الموسيقى في اللعبة مشابهة للألعاب الحديثة حيث إن هناك اعتمادًا أكبر على المؤثرات الصوتية مثل صوت الرياح وحفيف أوراق الأشجار وهطول الأمطار.
سلسلة Silent Hill تعود من الباب الكبير مع ريميك لواحدة من أفضل ألعاب الرعب في التاريخ ويسرني أن أؤكد بأن اللعبة ترقى إلى مستوى التوقعات وتقوم بتوسيع اللعبة الأصلية في جوانب عديدة، ولكن عليك عزيزي اللاعب أن تدخل على اللعبة بعقلية منفتحة لو كنت من عشاق اللعبة الأصلية وأن تعطي نفسك الوقت لاستيعاب التوجه الفني الجديد للعبة بعد أن تشربت التوجه القديم لسنوات وسنوات، ولكن إن لم تكن من الباحثين عن التحدي المرتفع جدًا لا سيما على صعيد الألغاز فلا تتردد في تخفيض مستوى الصعوبة وستحصل على تجربة أكثر متعة. سايلنت هيل 2 ليست على ذات الدرجة من الإبهار والثورية التي كانت عليها عندما صدرت للمرة الأولى لكن الجهد المبذول في هذا الريميك كبير جدًا و هائل. هذه اللعبة سيعشقها محبو ألعاب الرعب بشدة، وسيلعبونها و يتحدثون عنها لسنوات عديدة قادمة. بلوبر، كونامي، هنيئًا!
راجعنا اللعبة بنسخة PS5 حصلنا عليها من الناشر قبل الإصدار