أثناء تجوالي و تصفحي للعديد من مواقع ألعاب الفيديو الأجنبية، لاحظت غياب المقالات المتعلقة بالمصمم الكبير شو تاكومي بشكل غريب للغاية، أنا أؤمن بأن واجبنا كإعلاميين في مجال ألعاب الفيديو أن نسلط الضوء دائما على من يستحق ذلك، لذا يسعدني أن أقدم إلى القارىء الكريم هذه السطور حول مطور لم يأخذ حقه من المجد و الشهرة و إن كان يمتلك من العشاق الأوفياء الشيء الكثير، حسنا من يدري .. قد يتم تدوينه مستقبلا على أنه أحد “الأيقونات” الخالدة في صناعة ألعاب الفيديو، لكننا لن ننتظر إلى ذلك الحين ! حيث نرجو أن ننجح في لفت أنظار عشاق ألعاب الفيديو في كل مكان إلى المصمم المبدع شو تاكومي.
انضم شو تاكومي إلى شركة كابكوم في التسعينات، التسعينات .. تلك الحقبة الذهبية ! من المثير للدهشة أن تفكر في كم العباقرة الذين اجتمعوا تحت جناح كابكوم في تلك الأيام، من شينجي ميكامي عراب كابكوم الأول، إلى المواهب المتفجرة كـ هيداكي كاميا، بالإضافة إلى عناصر الخبرة أيضا كيوشيكي أوكاموتو الشهير، لكن شو تاكومي كان مختلفا عن الجميع، أراد تاكومي منذ بداية التحاقه مع الشركة العمل على لعبة غموض، إلا أن ذلك كان صعبا للغاية، إذ أن المصمم الشاب كان في بداية مسيرته المهنية و كان من الصعب أن يحصل على إيعاز بتصميم لعبته الخاصة بعد، كان لا بد له من التدريب و إثبات الذات بين العمالقة أولا..
بالطبع، عندما نتحدث عن التسعينات يجب أن نعود بالذاكرة إلى ريزدنت ايفل .. ويالها من أيام لا تنسى، أيام أشعلت فيها السلسلة لهيب الجماهير ووسائل الإعلام في كل بقاع الأرض و أصبحت السلسلة ظاهرة شعبية، في ذلك الحين و بعد النجاح الكاسح لريزدنت ايفل2، قررت كابكوم إصدار نسخة جديدة من اللعبة تدعم ذراع التحكم الجديدة للبلاي ستيشن ( الدوال شوك ) و بالتحديد خاصية الاهتزاز، هذه النسخة كانت الفرصة الأولى للمصمم الشاب ليثبت نفسه حيث قامت كابكوم بتجميع فريق عمل يضيف خاصية الاهتزاز بشكل يتناسب مع اللحظات المرعبة فيها، و لم يلبث أن انضم تاكومي بعد ذلك إلى فريق التصميم الأسطوري الذي ترأسه شينجي ميكامي وأصبح يعرف لاحقا بـ”الاستوديو رقم 4″ .. هذا الاستوديو الذي لن ينساه التاريخ.
في ذلك الوقت أراد شينجي ميكامي أن يصمم لعبة بطابع و نكهة فيلم حديقة العصر الجوراسي الشهير، فقام بإعداد و إخراج اللعبة الجديدة آنذاك دينو كرايسس، وكما كان متوقعا نجحت اللعبة نجاحا كبيرا و نجح معها شو تاكومي بأن يثبت نفسه كواحد من أهم المصممين الشباب في الشركة حيث قام بدور بارز في مساعدة ميكامي على إخراج اللعبة و تصميم عالمها، و عندما علم تاكومي برغبة كابكوم في تحويل اللعبة إلى سلسلة تقدم بطلب شخصي إلى ميكامي كي يحظى بشرف إخراج اللعبة الجديدة، وتمت الموافقة على طلبه ليتسلم بذلك مشروعه الكبير الأول.
يقول شو تاكومي عن تلك الحقبة في حياته بأنها كانت أشبه بفترة تدريبية له في الشركة، فترة تعلم فيها كيف يفكر شينجي ميكامي و انعكس ذلك على شخصيته و أعماله و حياته المهنية .. نعم تاكومي اعترف لوسائل الإعلام اليابانية في مقابلة نادرة بأنه ما كان ليصل إلى ما وصل إليه لولا عمله تحت إمرة شينجي ميكامي. على أية حال بدأت لمسة تاكومي الخاصة تظهر مع لعبة دينو كرايسس2 التي استلم إخراجها و تصميمها بشكل كامل، حيث تم التخلي عن الألغاز المعقدة الكثيرة التي رافقت الجزء الأول، و عوضا عنه حصلنا على لعبة أكشن سريعة و مثيرة للغاية من البداية حتى النهاية !
بالرغم من النجاح الكبير الذي حققته دينو كرايسس2 عندما تجاوزت حاجز المليون نسخة مباعة في الأسواق، إلا أنها لم تكن حقا اللعبة التي أراد شو تاكومي أن يصممها، بل أستطيع القول – حكما على مقابلاته الشخصية مع المجلات اليابانية – بأنه لم يكترث بها إلى تلك الدرجة ! حيث احتفظ تاكومي بحلمه الأكبر بتصميم لعبة غموض، و هذه المرة حصل تاكومي على الضوء الأخضر من كابكوم ليبدأ إنتاج مشروعه الخاص ولعبة الأحلام !
وفي مكان ما بداخل مقر شركة كابكوم، تجمع الفريق الصغير الذي سيعمل على اللعبة الجديدة، احتوى فريق العمل على شو تاكومي كمصمم، مخرج و كاتب لسيناريو اللعبة وضم لفريق العمل صديقه ماساكاتسو إيندو الذي كان يحلم معه بتصميم لعبة الغموض، فيما أشرف المصمم الكبير إتسوشي إينابا على عملية الإنتاج، أما الموسيقى فعمل عليها الملحن ماساكازو سوجيموري، بينما ترأس المبرمج نوريوكي أوتاني عملية البرمجة الرئيسية للعبة .. و يمكنك بذلك أن تلاحظ عزيزي القارىء مدى الكفاءة التي احتواها فريق العمل على الرغم من صغر حجمه، فجميع أفراده سبق لهم العمل على مشاريع مميزة في كابكوم، حيث أن سوجيموري على سبيل المثال كان أحد ملحني لعبة فيوتفول جو الرائعة، أما نوريوكي أوتاني فهو أحد المبرمجين الذين عملوا على لعبة ريزدنت ايفل الأصلية بالإضافة لدينو كرايسس، و عليه فإن الفريق كان مؤهلا تماما لإنتاج لعبة أو سلسلة من أعلى طراز.
أما شو تاكومي فقد كان صاحب القرارات منذ البداية وهو يعترف بأنه كان محظوظا و موفقا للغاية، فهو أراد صنع لعبة تعتمد على مفهوم معين وهو “التعارض” .. حيث ستقوم اللعبة الجديدة على استخدام أدلة لإظهار التناقض في روايات الشهود و الوصول إلى حقيقة الجريمة، و بذلك قرر شو تاكومي أن ينفذ فكرة من أغرب الأفكار في عالم ألعاب الفيديو كإثبات على المخيلة العملاقة التي يمتلكها، حيث قرر أن بطل اللعبة يجب أن يمتلك صبغة احترافية لاستخراج الأخطاء و التناقضات في الأدلة و بالتالي من الأفضل أن يكون محاميا لا محققا، و من هنا أتت فكرة اللعبة العجيبة التي لم يستوعبها مسؤولو كابكوم في البداية و قام ميكامي شخصيا بالاتصال مع تاكومي ليتأكد من جديته حول المشروع !
النقطة الثانية تمحورت حول قرار تاكومي بأن اللعبة يجب أن تصدر على جهاز محمول، حيث اعتبر تاكومي بأن الجرافيكس و الرسوميات ليست مهمة كثيرا لطبيعة اللعبة التي ينتوي صنعها ( Visual Novel ) .. في الواقع لم يكن هذا السبب الوحيد لتطوير اللعبة على جهاز الجيمبوي أدفانس إذ أراد تاكومي أيضا أن يصدر اللعبة على جهاز محمول بشكل خاص، لأنه يرى بأن مسك الجهاز بكلتا اليدين و التحديق في الشاشة الصغيرة يجعل اللاعب ينغمس أكثر في الأجواء ! بشكل مشابه لقراءة الكتب ربما، و بذلك بدأ تطوير الجزء الأول من سلسلة Ace Attorney ( أو جايكتن سايبن كما تعرف في اليابان ).